jeudi 14 juin 2012

((تأملات في قوله تعالى : ((ما عندكم ينفد وما عند الله باق


في قوله تعالى : ((ما عندكم ينفد وما عند الله باق )).النحل (96) .
النفاد والفناء وصفان سلبيان يلحقان ولو نسبيًا كلّ ما سوى الباقي سبحانه وتعالى ، وما لا يخفى على القاري العادي فضلاً عن المتأمّل هو أنّه لا مقابلة حقيقية أبدًا بين عندية الله وعندية عباده فعنديته سبحانه مطلقة : لم يسبقها عدم ولا يلحقها فناء كما أنّه تعالى لم يستفدها من أحد ، بل هو مبدعها ، أمّا عندية العباد فإنها من فضل العزيز المنان ، وهذا أمر معروف بداهة لكن لماذا أضرب الله عن العندية فأطلقها سواء في الموضعين (ما عنكم) ، (وما عند الله)، وإنّما ركز على البقاء والنفاد وكأنّ العنديتين متساويتين في الإطلاق ؟!!
الجواب :-والعلم عند الله- أننّا حين نتأمّل في هذه الآية الكريمة نقف على كمال هذا الكتاب العظيم وجماله وشيء من أسراره التي هي كالهدايا للمتدبّر :
أوّلاً : تأمّل موقف العبد من (العندية) الخاصة به : فستجد أنّ العبد سرعان ما يتوهم أنّ ما حصل له التوفيق والسداد ، وما حققه من نجاحات مالية أو علمية أو من الجاه إنّما هو من استحقاق بذله ذاتيًا دون تدخل أحد : (قال إنما أوتيته على علم عندي) ، (إنّ الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) ، (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون)، فإذًا هذا الوصف لا يتجلّى فيه خاصية الوصف الإلهي ، إلاّ للمؤمن العالم بالأسباب ومسبباتها وجودًا وتخلفًا .
ثانيًا : إذًا لماذا اختار الله وصف البقاء بالذات ليقرر به الفرق بهذا التعبير القرآني : حين نتأمّل مرة أخرى الآية الكريمة سوف نجد أنّ صفة (البقاء) على وجه الخصوص من الأوصاف التي يقرّ بها كلّ عاقل للخالق سبحانه وتعالى ذاتًا وصفات ، أي أنّ هذا المعنى فطري . كما أنّ الإقرار بالفناء للعبد ونفاد ما عنده فطري كذلك .
ثالثًا : من عجائب أحوال الإنسان كلّ إنسان أنّه يخاف النفاد والفناء سواء لنفسه أو لما عنده : (قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورًا) ، وهذا وصف ثان للنفاد ألا وهو أنّه مكروه للإنسان .
رابعًا : لقد لمحت الآية في إشارة غاية في الرّوعة والجمال إلى أمرين مهمين أحدهما : أنّ المقصود ب(ما عند الإنسان)إنّما هو نعيم الدّنيا ، ومن هنا فقد تضمنت الآية بل نصت في قوله (وما عند الله باق) على حث العبد على ما عند الله سبحانه، ليكون له أوفى النصيب منه ، وأنّ هذا النصيب يبقى ولا ينفد ، والأمر الثاني : ذلك إشارة أخرى أعمق من الأولى وهي أنّ صفات الممتلكات في الغالب تابعة لمن يمتلكها ولطبيعة المكان ، فلما كان الإنسان في دار الفناء وهو بالطبع فان أخذت ممتلكاته هذا الوصف (ما عندكم ينفد)، وفي دار الخلد تكون ما عنده من النعيم خالدة (وما عند الله باق).
خامسًا : تأمّل الهدف الشعوري الذي أراد الله أن يشعر به العبد عند هذه الآية : وهو الشعور بأنّ ما هو فيه من نعيم ليس مقيمًا دائمًا بل هو فان : فهذا الشعور في حدّ ذاته ينغس على العاقل ما في هذه الدنيا من المتاع الفاني ، وينقص استمتاعه بها بقدر يقظة قلبه وحضور ضميره على أنّ النفاد على درجات فليس كله فناء لعين المستمتع به من مال ونساء وبنين وصحة وجاه ، بل قد يحول دون كمال الاستمتاع بها الكبر والمرض ، وهموم الدنيا الأخرى ، وصدق الله العظيم (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) .
ربنا ءا تنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .



منقول من الدكتو/ طه توري- حفظه الله

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Delicious Facebook Digg Favorites More