samedi 12 mai 2012

طرق دلالة اللفظ على الأحكام

بسم الله الرحمن الرحيم
طرق دلالة اللفظ على الأحكام:

       تحدثنا في الدروس السابقة عن الألفاظ من حيث وضوح دلالتها على المعنى أو خفاؤها، وتناولنا أيضا بالدرس المفاهيم التي تستنتج  من سياق الخطاب، وسنخصص هذا الدرس للحديث عن طرق دلالة الألفاظ على الأحكام، والألفاظ بهذا الاعتبار تنقسم – عند الأحناف – إلى أربعة أقسام :
1. دلالة العبارة.   2. دلالة الإشارة.    3. دلالة النص.  4. دلالة الاقتضاء.

     أولا: دلالة العبارة :
          دلالة العبارة : هي دلالة اللفظ على المعنى المتبادر فهمه من نفس صيغته، سواء كان هذا المعنى هو المقصود من سياقه أصالة أو تبعا، فكل معنى يفهم من ذات اللفظ، واللفظ مسوق لإفادة هذا المعنى أصالة أو تبعا يعتبر من دلالة العبارة، ويطلق عليه المعنى الحرفي للنص، أي المعنى المستفاد من مفردات الأحكام وجمله.
قال البزدوي - رحمه الله- في معرض الاستدلال بالعبارة :" والاستدلال بعبارة النص هو العمل بظاهر ما سيق الكلام له[1]".

أمثلة دلالة العبارة :
لدلالة العبارة أمثلة كثيرة في القرآن الكريم منها :
1.    قوله تعالى: )ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق(، دلت هذه الآية بعبارتها، أي بنفس ألفاظها على حرمة قتل النفس، وهذا المعنى هو المقصود أصالة من سوق الآية.
2.    قوله تعالى: )وأحل الله البيع وحرم الربا(، يفهم منه بدلالة العبارة معنيان :
-         الأول : نفي المماثلة بين البيع والربا، وهذا المعنى هو المقصود الأصلي الذي سيقت الآية من أجله ردا على المشركين الذي قالوا : ) إنما البيع مثل الربا(.
-         والمعنى الثاني: حل البيع وتحريم الربا، وهذا المعنى هو المقصود التبعي من الآية، أي: أن سوق الكلام ما كان لبيان هذا المعنى هو المقصود أصالة بل تبعا، بدليل أنه من الممكن النص على نفي المماثلة من غير بيان حل البيع أو حرمة الربا. فلما ذكر هذا المعنى دل ذلك على أنه مقصود تبعا من سوق الآية ليتوصل به إلى إفادة المعنى المقصود الأصلي من الآية.
3.    قوله تعالى : )فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم([2]، فإن هذا النص يدل على عدد من الأحكام هي :
-         إباحة الزواج.
-         وإباحته بأكثر من واحدة ممن خل من النساء – في حدود الأربع – مع الاطمئنان  إلى إمكان العدل وعدم الخوف من الجور وظلم الزوجات.
-         وأخيرا وجوب الاقتصار على زوجة واحدة إذا خيف عدم العدل عند التعدد. (العدل المادي).

    وكل هذه الأحكام: معان دل عليها هذا النص القرآني، وهي مستفاد من الألفاظ نفسها والعبارات بشكل واضح. فقوله تعالى : )فانكحوا ما طاب لكم من النساء( دل على إباحة الزواج، وقوله تعالى:)مثنى وثلاث ورباع( دل على إباحة التعدد في حدود أربع زوجات.

    أما وجوب الاقتصار على زوجة واحدة عند خوف الجور : فدل عليه قوله سبحانه : )فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم(، غير أن هذه الآية المذكورة ليست كلها على صعيد السوق أصالة، لأن الحكمين: إباحة الأربع، ووجوب الاقتصار على الواحدة عند خوف الجور، هما المقصودان أصالة من السوق.

    أما الحكم الأول – وهو إباحة الزواج-  مقصود تبعا، كما علم ذلك من أسباب النزول، فقد ورد في ذلك – كما ذكر الطبري – أن القوم كانوا يتحوبون[3] في أموال اليتامى أن لا يعدلوا فيها، ولا يتحوبون في النساء أن لا يعدلوا فيهن. فقيل لهم : كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن، ولا تنكحوا منهن إلا من واحدة إلى الأربع، ولا تزيد على ذلك وإن خفتم أن لا تعدلوا أيضا في الزيادة عن الواحدة، فلا تنكحوا إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيهن من واحدة أو ما ملكت أيمانكم.
و إذن فحكم إباحة التعدد مع عدم الزيادة على أربع، ووجوب الاقتصار على الواحدة عند خوف الجور – كما جاء في الآية – مقصودان أصالة وقد استتبعا بيان إباحة الزواج.
فحكم الإباحة مقصود تبعا لا أصالة، وقد ذكر ليتوصل به إلى المقصود أصالة وهما الحكمان: الثاني والثالث.

    هذا: وقد بلغت أحكام هذه الآية من الوضوح حدا جعل القول بإباحة الجمع بين أكثر من أربع زوجات حرائر مرة واحدة ضربا من الانحراف والفساد في التأويل، والخروج على مفهوم اللغة وروح الشريعة. فقد نسب إلى الرافضة القول بإباحة تسع نسوة للرجل أخذا من قوله تعالى : )مثنى وثلاث ورباع(. ورد عليهم ابن العربي مقالتهم هذه وحكم عليها بالجهالة، لأن مقصود الكلام ونظام المعنى، كما قال: فلكم نكاح أربع، فإن لم تعدلوا فثلاثا، فإن لم تعدلوا فاثنتين فإن لم تعدلوا فواحدة ...
  قال ابن العربي : ولو كان المراد تسع نسوة لكان تقدير الكلام : فانكحوا تسع نسوة، فإن لم تعدلوا فواحدة وهذا من ركيك البيان الذي لا يليق بالقرآن، لا سيما وقد ثبت من رواية أبي داود والدار قطني وغيرهما أن النبي r قال لغيلان الثقفي حين أسلم وتحته عشر نسوة : "اختر منهن أربعا وفارق سائرهن"[4] .

      ثانيا: دلالة الإشارة:
دلالة الإشارة:هي دلالة الكلام على المعنى غير مقصود أصالة ولا تبعا، ولكنه لازم للمعنى الذي سيق الأحكام لإفادته، وبه يتبين أن الحكم مستفاد من النص في كل من دلالة العبارة ودلالة الإشارة، وإنما الفرق بينهما: أن مدلول العبارة سيق الكلام لأجله، ومدلول الإشارة لم يسق الكلام من أجله، ولكنه لازم للحكم، ودلالة الإشارة قد تكون ظاهرة يمكن فهمها بأدنى تأمل، وقد تكون خفية تحتاج إلى دقة نظر ومزيد تأمل، فتصبح مثار اختلاف بين المجتهدين. مثالها قوله تعالى: )أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم(، دل بعبارته على إباحة الوقاع في كل أجزاء الليل  إلى طلوع الفجر، ويفهم منه بطريق الإشارة إباحة الإصباح جنبا في حالة الصوم، لأن هذا المعنى غير مقصود بالسياق لكنه لازم للمعنى المقصود بالسياق.
ومثالها أيضا: قوله سبحانه: )وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف(، دل بعبارته على وجوب نفقة الوالدات المرضعات وكسوتهن على الأبناء، لأن هذا هو المتبادر من ظاهر اللفظ، وكان يساق الكلام لأجله.
وتدل بالإشارة على أن نسب الولد إلى أبيه دون أمه، لأن النص في قوله تعالى : )وعلى المولود(، أضاف الولد إليه بحرف اللام التي هي للاختصاص، ومن أنواع هذا الاختصاص : الاختصاص بالنسب، فيكون قوله تعالى: )وعلى المولود له(، دالا بالإشارة على أن الأب: هو المختص بنسبة الولد إليه ومن له غنم النسب، فعليه غرم الإنفاق. ويلزم منه أيضا أن للأب ولاية تملك نفس الولد وماله، لأن الإضافة بحرف اللام في قوله تعالى: )وعلى المولود له( ، دليل على الملك وإليه أشار رسول الله r بقوله : "أنت ومالك لأبيك[5]".
ومن أمثلة الأدلة بالإشارة ما دل عليه قوله تعالى: )ووصينا الإنسان بوالديه حسنا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة (...) من المسلمين(، دل بعبارته على بيان فضل الأم على الولد، لأن السياق يدل عليه ويلزم منه بالإشارة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فقد ثبت في آية أخرى أن مدة الفصال حولان، كما قال تعالى: )وفصاله في عامين( وبذلك يبقى للحمل ستة أشهر، وقد خفي ذلك على كثير من الصحابة  وأدرك غامضه ابن عباس أو علي رضي الله عنهما، وقبل ذلك الصحابة واستحسنوه.
      جاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي عند هذا الموضوع : قال ابن عباس t : إذا حملت تسعة أشهر، أرضعت واحدا وعشرين شهرا، وإن حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا. وروي أن عثمان t قد أتي بامرأة قد ولدت في ستة أشهر، فأراد أن يقضي عليها بالحد، فقال له علي t : ليس ذلك عليها، قال الله تعالى : )وحمله وفصاله ثلاثون شهرا(، )والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين( فالرضاع أربعة وعشرون شهرا والحمل ستة أشهر، فرجع عثمان عن قوله ولم يحدها.[6]

     و إذا تعارضت دلالة العبارة، ودلالة الإشارة، قدم الحكم الثابت بالعبارة على الحكم الثابت بالإشارة، مع أن كلا منهما ثابت بالنص، ولهذا قيل: الإشارة من العبارة بمنزلة الكناية والتعريض من التصريح.
ومن أمثلة التعارض قوله تعالى : )يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى( وقوله سبحانه:)ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما(، دل النص الأول بصريح العبارة على وجوب القصاص من القاتل عمدا، ودل النص الثاني بالإشارة على أنه لا قصاص عليه لاستحقاق الخلود فى نار جهنم، فجزاؤه أخروي، وذلك يستلزم في مقام البيان[7] أنه لا جزاء عليه في الدنيا.
فيقدم الحكم الثابت بالعبارة وهو القصاص من القاتل عمدا على الحكم الثابت بالإشارة.
ودلالة الإشارة كدلالة العبارة تفيد القطع إلا إذا وجد ما يعرف الحكم من القطع إلى الظن.

     ثالثا: دلالة النص:
دلالة النص:وهي دلالة اللفظ على أن حكم المنطوق - أي المذكور في النص- ثابت لمسكوت عنه لاشتراكهما في علة الحكم التي تفهم بمجرد فهم اللغة، أي يعرفها كل عارف باللغة دون حاجة إلى اجتهاد ونظر، وحيث إن الحكم المستفاد عن طريق دلالة النص يؤخذ من معنى النص لا من لفظه، سماها بعضهم – دلالة الدلالة- وسماها آخرون - فحوى الخطاب- لأن فحوى الكلام هو معناه، وسماها الشافعية – مفهوم الموافقة- لأن مدلول اللفظ في محل السكوت موافقة لمدلول في محل النطق فيكون المسكوت عنه موافقا في الحكم للمنطوق به، كما يسمى البعض هذه الدلالة بالقياس الجلي ودلالة الأولى لأن المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق به لظهور العلة فيها على نحو أقوى من المنطوق به، وقد سبق الحديث عن هذه الدلالة في درس "المفاهيم" ومثاله قوله تعالى في شأن الوالدين) ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ... ( فإن هذا النص يفيد بعبارته تحريم أن يقول لهما: "أف" وإذا كان قول "أف" لهما حراما، فبالأولى تحريم الضرب والشتم أو إيذاؤهما بأي نوع من أنواع الأذى، لأن النهي عن قول "أف" يفيد حتما النهي عن كل أذى، إذ كلمة "أف" أدنى أنواع الأذى، والنهي عن أقل الأذى حتما نهي عن كل أذى. وأن هذه الدلالة تفهم من النص من غير استنباط.

         فالفرق بين دلالة النص والقياس:
أن القياس لا تعرف العلة التي تجمع بين الحكم المنصوص عليه وغير المنصوص عليه إلا بالاستنباط، بينما دلالة النص يعرف الحكم من غير الاستنباط. بل إنه أحيانا يستوي في إدراكها من اللفظ الفقيه وغير الفقيه.

رابعا: دلالة الاقتضاء:
دلالة الاقتضاء: و هي : دلالة الكلام على مسكوت عنه يتوقف صدق الكلام أو صحته شرعا على تقديره، أي إن صيغة النص لا تدل عليه وإنما تتوقف صحة الكلام عقلا أو شرعا على تقديره، وسميت هذه الدلالة بالاقتضاء، لأن الاقتضاء معناه الاستدعاء والطلب، والمعنى الذي يدل عليه الكلام يتطلبه ويستدعيه صدق الكلام أو صحته شرعا، قال صاحب "التلويح" : والاقتضاء: دلالة اللفظ على معنى خارج يتوقف عليه صدقه أو صحته الشرعية أو العقلية[8].
و هكذا لم تكن الدلالة على الحكم في هذا النوع من طرق الدلالة بالصيغة أو بمعناها بل بأمر زائد اقتضاء صدق الكلام أو صحته. والمعنى الذي يتوقف صدق الكلام أو صحته على تقديره هو على ثلاثة أقسام:
1.    ما وجب تقديره ضرورة لصدق الكلام: كما في قوله r فيها رواه ابن عباس t :" رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فإنه بلفظه وعبارته دل على رفع الفعل الذي يقع خطأ أو نسيانا أو إكراها بعد وقوعه. ولكن هذا يخالف الواقع لوجود هذه العوارض من الأمة، فيقتضي تقدير شيء من الكلام كرفع الإثم، ليطابق الواقع ويصير المعنى: رفع إثم الخطأ والنسيان والإكراه، فالإثم مسكوت عنه في هذا المثال، وتوقف صدق الكلام على تقديره فيعتبر من مدلول الكلام دلالة الاقتضاء. ومنه حديث : "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" أي لا صحة لصيام.
2.    ما وجب تقديره لصحة الكلام عقلا : كقوله تعالى : )واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون(، فإن هذا الكلام لا يصح عقلا إلا بتقدير : "واسأل أهل القرية" لأن السؤال للتبيين، وإذا كان كذلك فالمسؤول يجب أن يكون من أهل البيان فاقتضى الكلام تقدير – الأهل – ليصح ويستقيم[9].
 وكما في قوله جل وعلا : )فليدع ناديه( فهذا الكلام لا يصح عقلا لأن النادي وهو المكان لا يدعى، لذلك كان لابد من مقدر يستقيم به الكلام وذلك المقدر هو -أهل-، ويكون تقدير الآية(فليدع أهل ناديه) وبذلك يصح الكلام ويستقيم.
3.    ما وجب تقديره لصحة الكلام شرعا : مثل قوله تعالى: )للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم(، فإنه دل بعبارته على فقر المهاجرين، مع أنهم كانوا أصحاب دور وأموال في مكة، وهذا الإطلاق لا يكون صحيحا إلا إذا قدرنا زوال ملكهم عما تركوه في مكة، وأنه صار مملوكا للكفار بالاستيلاء عليه، ويعتبر تقدير زوال الملكية مدلولا بطريق الاقتضاء تصحيحا للكلام.
ومن أمثلته أيضا قوله تعالى : )حرمت عليكم الميتة( وقوله: )حرمت عليكم أمهاتكم( لأن الحرمة لا تتعلق بالذوات وإنما تتعلق بالأفعال فيقدر في الآية الأولى كلمة – أكل – أي حرم عليكم أكل الميتة. ويقدر في الثانية كلمة – زواج – أي حرم عليكم زواج أمهاتكم ويكون هذا التقدير ثابتا بدلالة الاقتضاء.
أحكام هذه الدلالات:
          يثبت الحكم بهذه الدلالات الأربع (العبارة، والإشارة، والنص، والاقتضاء) على وجه القطع واليقين إلا إذا وجد ما يصرفها إلى الظن، كالتخصيص أو التأويل، لأن كلا من دلالة العبارة والإشارة يثبت المعنى فيها بنفس اللفظ، ودلالة النص يثبت الحكم فيها من طريق العلة المفهومة لغة. والثابت باللغة قطعي، وأما دلالة الاقتضاء فتقتضيها ضرورة صدق الكلام وصحته معناه فتكون دلالة قطعية.

ومراتب هذه الدلالات بحسب تفاوتها في قوة الدلالة، فدلالة العبارة أقوى من الإشارة، لأن العبارة تدل على المعنى المقصود بالسياق والإشارة تدل على معنى لازم غير مقصود بالسياق.
والإشارة أقوى من دلالة النص، لأن الأولى تدل على المعنى بنفس اللفظ وصيغته، والثانية تدل عليه لمعقول النص ومفهومه.
ودلالة النص أقوى من الاقتضاء، لأن الثابت بالاقتضاء لم يدل عليه اللفظ بصيغته ولا بمفهوم اللغوي، وإنما استدعته الضرورة لصدق الكلام وصحته.
وإذا تعارضت هذه الدلالات في الأحكام الثابتة بها يرجح الثابت بالعبارة ثم الإشارة ثم الدلالة ثم الاقتضاء[10].

مثال التعارض بين المفهوم بالعبارة والمفهوم بالإشارة من النصوص الشرعية : 
قوله تعالى : )كتب عليكم القصاص في القتلى( مع قوله سبحانه : )ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم( تدل الآية الأولى بعبارتها على أن وجوب القصاص ن القاتل، وتدل الآية الثانية بإشارتها على أن القاتل العامد لا يقتص منه، لأن في اقتصارها على أن جزاءه جهنم أشارة إلى هذا، إذ يلزم ن هذا الاقتصار في مقام البيان أنه لا تجب عليه عقوبة أخرى، ولكن رجح مدلول العبارة على مدلول الإشارة ووجب القصاص.
وقولهr :" أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة"، مع قوله r في تعليل نقصان الدين في النساء "تقعد إحداكن شطر عمرها لا تصلي"، فإن الحديث الأول يدل بعبارته على أن أكثر مدة الحيض عشرة أيام، والحديث الثاني يدل بإشارته على أن أكثر مدة الحيض أن تكون مدة الحيض خمسة عشر يوما لأنه نص على أن إحداكن تقعد نصف عمرها لا تصلي، ويلزم من هذا أن تكون مدة الحيض نصف شهر حتى يتحقق أنها في نصف عمرها لا تصلي، فلما تعارض المفهوم من عبارة النص الأول والمفهوم من إشارة النص الثاني، رجح المفهوم من العبارة وهو تقدير أكثر مدة الحيض بعشرة أيام.

ومثال التعارض بين المفهوم بالإشارة والمفهوم بالدلالة من القرآن قوله تعالى: )ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة( يؤخذ منه بطريق الدلالة من قتل مؤمنا متعمدا عليه أن يحرر رقبة مؤمنة، لأنه أولى من القاتل خطأ بهذا التكفير عن جريمته لأن تحرير الرقبة كفارة للقاتل عن ذنبه، والعامد أولى أن يكفر عن ذنبه من الخاطئ. وقوله تعالى : )ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها( يؤخذ منه بطريق الإشارة أنه لا يجب عليه تحرير رقبة، لأن الآية تشير إلى أنه لا كفارة لذنبه في الدنيا، إذ جعلت جزاؤه خلوده في جهنم لا غير فلما تعارضا رجحت الإشارة على الدلالة، فلا يجب على القاتل عمدا تحرير رقبة.
ومثال التعارض بين دلالة العبارة ودلالة الاقتضاء، عقوبة القتل خطأ، فقد قالr : "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، فإنه بالنسبة للخطأ يقدم له قوله تعالى : )ومن يقتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله(.
فإن دلالة الاقتضاء في الحديث توجب رفع الإثم ولو كان هذا سائغا على عمومه لكان مؤداه ألا يعاقب المخطئ ولكنه قدم نص العقاب، وكذلك بالنسبة للإنسان، كان مقتضى دلالة الاقتضاء في الحديث ألا يقضي الناسي للصلاة، وصريح النص يقول : "ومن نام عن صلاة ونسيها فليصلها إذا ذكرها".

تقسيم الدلالات عند الجمهور (المتكلمين):
معنى الدلالة: هو كون الشيء يلزم من فهمه، فهم لشيء آخر، وهي إما لفظية أو غير لفظية. وغير اللفظية: قد تكون وضعية كدلالة (الذراع) على المقدار المعين، وغروب الشمس على وجوب الصلاة وقد تكون عقلية كدلالة وجود المسبب على وجود سببه.
أما الدلالات اللفظية تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
1.    إما عقلية: كدلالة  المقدمتين الصغرى والكبرى على النتيجة، مثل كل إنسان حيوان، وكل حيوان جسم، فكل إنسان جسم. ومثل دلالة اللفظ على وجود اللافظ وحياته.
2.    وإما طبيعية : كدلالة اللفظ الخارج عند السعال على وجع الصدر.
3.    وإما وضعية: وهي المقصود هنا، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
-         دلالة المطابقة: وهي دلالة اللفظ على تمام مسماه، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق وسمي بها لأن اللفظ طابق معناه.
-         دلالة التضمن: وهي دلالة اللفظ على جزء المسمى، كدلالة الإنسان على الحيوان فقط، أو على الناطق فقط وسمي بها لضمنه إياه.
-         دلالة الالتزام: وهي دلالة اللفظ على لازمه كدلالة الأسد على الشجاعة، وإنما يتصور ذلك في اللازم الذهني وهو الذي يتنقل الذهن إليه عند سماع اللفظ، سواء أكان لازما في الخارج أيضا كالسرير والارتفاع أم لا كالعمي والبصر، وكدلالة زيد على عمرو إذا كانا مجتمعين غالبا.



[1]  - أصول البزدوي مع كشف الأسرار 1\ 68
  يريد الإيماء.- [2]
[3]  - يجدون حرجا.
[4] - انظر أحكام القرآن لابن العربي 1\ 2\ 3 3\3 ونسب القرطبي (5\ 17) إلى بعض أهل الظاهر للقول بإباحة الجمع بين ثمان عشرة تمسكا منه بأن العدد في تلك الصيغ يفيد التكرار، والواو للجمع، وهذا كما قال القرطبي: جهل باللسان والسنة وإجماع الأمة.
[5] -  رواه ابن ماجه عن جابر ويؤيده أحاديث أخرى في معناه، نيل الأوطار (6\ 11 - 12) والحق أن اللام للإباحة لا للتمليك.
[6]  - الجامع لأحكام القرآن 16\ 193
[7]  - لأن الله تعالى جعل جزاءه الخلود في جهنم وغضب عليه وأعد له العذاب العظيم، وقد اقتصر على ذلك في مقام البيان والاقتصار في مقام البيان كما قالوا يفيد الحصر
[8]  - التلويح مع التوضيح 1\ 137
[9]  - قال الزمخشري : معنى (واسأل القرية) أرسل إلى أهلها فسلهم عن كنه القصة. راجع الكشاف  2\ 388
[10]  - الفقه الإسلامي ، د. وهبة الزحيلي 1\ 357 358.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Delicious Facebook Digg Favorites More