كل فرد من أفراد المجتمع يحتاج إلى متطلبات وحاجيات، فبعضها ضروري وبعضها الآخر كمالي، والزواج هو في معظم الأحوال ضروري، ولكن المجتمع المسلم اليومي، يسوده الهلع والجزع والطمع، فوالد كل بنت يتطلب لابنته من مقتنيات ومشتريات يعجز عن حملها أشداء الرجال، لذا تعسرت أمور الزواج، وأصبح الوصول إلى تكوين بيت مسلم في غاية المشقة لكثرة المشتريات الكمالية التي أعدّوها ضرورية.
يقول جامعي يروي لنا ما يدور بخلده حول موضوع زواجه، ويبين لنا أن العقبة الكبرى هي غلاء المهور:
أنا شاب أدرس في الجامعة ولم يبق على تخرجي سوى عام واحد، فأخذت أفكر بالزواج من فتاة مصونة، تحفظ علي ديني وأعف بها نفسي وأرضي ربي، لأن الزواج سنة الله في خلقه وكل شاب يتطلع إلى فتح باب للسعادة الزوجية ويبني بيتاً يعج بأصوات الصبية والزهور كزغب القطا.
ومن يطلب الحسناء لم يغلها المهر، فلقد ظفرت بمن أبحث عنها، إنها فتاة العمر، وريحانة القلب، أقحوانة في الربيع ووردة في الصيف، مثلها تطلب بأغلى الأثمان، ولكنها ليست عينية أو نقدية، الثمن هو الصدق في المحبة والعهد لها والوفاء معها.
ما الحياة الدنيا إلا سويعات منقضية، ولكن مع فتاة كهذه تطول ساعاتي أنعم بها، أتلذذ بيومي أيما التذاذ، فمثلها يؤمن علي وعلى بيتي، وعيالي ومالي بل ونفسي.
فإن ألحظها من بعيد وأرقبها لم أرها يوماً تلتق مع شاب أو تحادثه حتى وإن احتاج لذلك، في حين أرى بأم عيني فتيات أخريات يقدمن إلى الجامعة وهن متعطرات متزينات كأن الواحدة منهن تزف الليلة، سبحان الله..... انحراف خلقي، وجهل عقدي، وتمرد شيطاني، أين آبائهن بل وأمهاتهن، هل هم يربون في بيوتهم خراف أم دجاج، أم هي بيوت مفتوحة أبوابها للغادي والرائح.
سأعود معكم حيث فتاتي وأم أبنائي بإذن الله، هذه هي التي لم أرَ وجهها منذ أن قدمت إلى الجامعة، فهي مختمرة وتلبس القفازين، لكنها ملكت على لبي وفؤادي، هي لا تعلم بي ولا بحبي لها، والذي نفسي بيده إنها أفضل من أجمل الجميلات، ولما لا وهي تخضع لأمر ربها، وتسلم له في عصر الانهزام الخلقي، و التشرذم الاجتماعي فأنا لا أدري ما أسمها إلى الآن لأني لم أسألها.
بكل صدق أنا متحير معها كيف أصل إليها، قلبي يحترق شوقاً لذلك، وما يقلقني أكثر هو أن تفلت من يدي، وخطبتها من شاب آخر.
فما الحل ؟ قلت: لا بد من إرسال جدتي إليها الليلة لتخبرها الخبر، فما كان مني إلا أن وصلت البيت وقمت بالانتظار حتى عادت إلى بيت أبيها وعلى الإثر، قامت جدتي إليها وتبعتها !! فما أن وصلت جدتي حتى قوبلت بالترحاب، وكانت الأمور ميسرة، سبحان الله... وهم لا يدرون من خبري إلى الآن بشيء.
جدتي لديها خبرة في اقتناص الغزلان، فجلست في صالة بيتهم، وأخذت تتجاذب أطراف الحديث مع أمها، ودخلت عليهن البيت التي أريدها زوجة لي.
جدتي لم تبح بسرها حتى ارتوت من هذه البنت محادثة ونظراً وغيره.... فهي صاحبة تجربة ومعرفة وطيدة بالنساء عموماً والفتيات خصوصاً، فهي مشهورة في الحي لكل من أراد الزواج من بنت ولم يخبرها، يقومون بإرسال جدتي إلى من يرغبون، فتأتيهم الإجابة أن أقدموا أو أحجموا.
وعادت جدتي، وكنت أنتظرها على أحر من الجمر.
وقلت: هات البشرى، قالت: أبشر، إنك ابن أمك، تعني نفسها، وبعد أسبوع عادت الجدة ومعها والدي يكرران الزيارة للتأكد والاطمئنان، وخشي جرح مشاعرهم، وفي نفس اليوم أرسلت في خطبتها، فتمت الموافقة.
لكن المؤسف أن والدها لا يبدوا عليه مظاهر الالتزام فهو مدمن دخان، وحليق اللحية، ومسبل الثياب، وصاحب تخلف عن الجمع والجماعات، هذا ما زادني ألماً وغماً، فأنا شاب منهك مالياً، الجامعة لم تُبق درهماً ولا ديناراً، فما الحل؟ الوالد هذا سيتطلب عليَّ أموال وكماليات تثقلني..... قلت: لا بد من إيجاد هذا المال، حتى أتغلب على هذه الصعوبة.
والدي عامل يشتغل في معمل للحجارة والرخام، قلت لا بدَّ من الالتحاق بوالدي، حيث لا توجد وظائف، وإن وجدت فبعد عشرة أعوام لا أستطيع الزواج، عرضت الأمر على والدي فوافق من ساعته.
واجهت الصعوبة في العمل حيث لم يسبق لي أن عملت بهذا العمل قبل هذه المرة، وبعد مرور شهرين أصبح العمل محبوباً لدي، وأصبحت أجد أكثر من والدي ومن يعملون معه منذ عشرات السنين، قلت في نفسي لا بد لي من عمل آخر، أختصر فيه الزمن، وأحصل على المال الوافر الكافي، وبعد إيابي من العمل، فكرت في زيارتها مع والدتي، فذهبت إلى بيت أبيها، فلم نجدها وقالوا إنها في الجامعة، انتظرتها طويلاً مع الوالدة ولم تحضر، فعدنا إلى البيت والقلب مكلوم، كيف الوصول؟ لا بد من الذهاب إلى الجامعة والسؤال عنها والاطمئنان عليها، فمن غدِ توجهت إلى بوابة الجامعة أنتظر وصولها، فلم تحضر ذلك اليوم لقد كانت مريضة، ازداد الاحتقان في قلبي، ويكاد رأسي ينصدع مما ألم بي، كيف يحدث هذا كله؟
ومن فوري عدت إلى البيت، وذهبنا إليها عائدين، فاستقبلنا والدها بكل فتور ولم يبال بنا، فهو رجل من علية القوم، ونحن من السوقة في نظره، وكنت ألمح في عينه الكره لي، ولم يردعني هذا عن علاقتي بابنته حيث ملكت لبي وخرمت فؤادي، جاءت أخيراً، لكنها لم تبدِ لنا سوى الوجه، فلما رأيتها، كدت أسقط على الأرض من هذا البهاء والجمال، حقاً إنها لتستحق هذا كله، فأنا لم أرَ في حياتي كهذه سلوكاً وأخلاقاً وجمالاً.
ازدادت ضربات قلبي نحوها هياماً وحباً وشوقاً، أصبحت نحيف الجسم هزيل البنية، إنها أطارت النوم من عيني، وأُذهِبَ كل شيء من عقلي سواها، فهي شغلي الشاغل، فكيف الوصول إليها، وأنا لم أوفر إلا النزر اليسير من المال، حيث لي أخوة في الجامعة، وأتولى الإنفاق عليهم مع أبي وأخوات في المدرسة ونفقات أكثر فما إلى جمع المال من سبيل فكرت في الاقتراض من البنوك، قلت: إنها حرام، وما نبت من الحرام، فالنار أولى به، فلن أجمع إلا الحلال، ولو بقيت عشر سنين من دون زواج، فالمهور غالية في بلدتي، الناس يحبون المباهاة ويحبون الشكليات الزائفة، كيف نقضي على هذه الأمور؟ شباب في عمر الزهور يحترق، ألا يجد ما ينفقه على زواجه وفي المقابل فتيات كذلك، كان في بلدتي رجل تقي زاهد ورع، قمت بعرض هذه المسألة عليه غلاء المهور فقام بالحديث عنها بين الناس، لم تجد أذن صاغية، الناس مفتونة في حب المال والشهوة، لا يزوجون إلا للمال فهو معبودهم، والدليل على ما أقول كثرة العوانس مع كثرة العزاب والسبب غلاء المهور فإلى متى ونحن نخضع في ربقة هذه العبودية، لنصل إلى الهدف الأسمى من إنشاء بيوتات توحد الله، وترفع لواء الحق.
فأنا أبحث عن فتاة مثل هذه منذ زمن بعيد، حيث تتمتع بالأخلاق والعفة والطهارة والنقاء والتدين وغيرها من محاسن..... هذه الفتاة كانت تلقب بالخنساء، واسمها سامية، قلت: إن سامية هي سامية.. ولا بديل عنها.
فكّرت مليّاً وخرجْتُ بالتالي:
1. أن أتّصل بها وأكلمها عن هذا الأمر علّها تضغط على الوالد، فيرتدع عما جرت عليه الناس من عادات خديعة.
2. الاجتهاد في القلب والدعاء لله - عز وجل - أن يوسّع رزقي لأعف نفسي وأحصل على مطلوبي كما يُحب ويرضى
3. إن عز المعيشة لا يكون أبداً إلاّ بعد عبور جسر من التعب، فراحت الأيام وملكت المال، وتزوّجت فأنجبت لي أولاداً وبناتاً كالورود ، فأيقنْت أن المرأة الصالحة لا تعِش لها، فهم في الصباح، يصلّون الفجر جماعة في المسجد، والبنات مع بعضهن جماعة والأم تؤمّهن.
الله أكبر.. إن دولة الإسلام قائمة في بيتي، ذِكْراً ودعاءً، صلوات، صيام تطوّع، إطعام فقراء والعطف على المساكين الإحسان إلى الجارات والإهداء إليهن.
إنها علّمتني الإسلام العملي بعد ما قلت أن الأمة ماتت.
بثّت في روحي الجد والعطاء، تشجّعني على التعلّم والعمل به، فكنت أحضر الدروس الأسبوعية واليومية وأشارك في الندوات والمجلات الثقافية والدينية.
أصبحت أحمل هم أمّة، بفضل الله أولاًَ ثم بفضل هذه الزوجة وجهودها ثانياً.
كانت تقرأ الحديث وتطبّقه عملياً، فمثلاً : آداب الأكل والشرب والنوم والاستيقاظ منه وغيرها، حتى في الليل كانت تقوم قبلي وتنضح الماء الخفيف على وجهي عندما أرفض القيام أو أتوانى........ يا لها من سعادة حقيقية تغمرني، فاليوم أحب كل شيء سوى المعاصي وما يبغض الله ، اليوم أنا مع زوجة تحمل هماً كبيراً، فبقدر العزائم تكون الهمم، فالإسلام يصنع المعجزات، فهذه امرأة واحدة خير من ألف رجل من المهازيل ، ولا غرابة في ذلك فالإسلام ربّاها، فهي ابنته وهو أباها.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire