مستقبل الإسلام والمسلمين في كوت ديفوار في ظلّ حكم وتارا
(الحلقة الخاتمة )
لقد حقَّ لنا أنّ ننتظر هذه الحلقة الأخيرة بفارغ الصبر ، وذلك بعد الجولات الدسمة المتقدمة في مسار العمل الإسلامي الدعوي في كوت ديفوار وذلك ؛ إيمانًا ويقينًا منّا بشدّة الحاجة وضرورة الواقع إلى دراسة الوضع الحالي بغية تقديم بعض الرؤى والمقترحات لإنقاذ المواقف وتسجيل مستقبل مسئول يقوم على أسس علمية سليمة إلى جانب خبرة مصقولة بالأيام والسنين .
وقد عرفنا فيما مضى أنّ وتارا سياسي براجماتي بالدرجة الأولى ودمقراطي وسط في سياسته بالمعنى الحرفي للكلمة ، وهذا يعني بالمقام الأوّل أمرين مهمين :
أوّلهما : أنّ وتارا وحاله ما قد وصفنا لن يحول دون تنفيذ أيّ برنامج ديني في ظلّ حكمه مهما كان مصدره وبصرف النّظر عن الدين الذي يتبعه ذلك البرنامج إلاّ أن يكون ذلك البرنامج في حقيقة الأمر برنامجًا سياسيًا يتقمص الدّين لتمرير أهدافه وتحقيق مآربه ، وهذا يعني فتح ساحة السباق الحر إلى العمل للجميع على حدّ سواء ، وعليه فلن يكون نجاح دين وسيادته فقط لأنّ من وصل إلى سدّة الحكم مسلم .
ثانيهما : إنّ ما سوف يحدّد نجاح مجموعة دينية مّا في كوت ديفوار إنّما هو مدى وعي تلك المجموعة ومقدرتها على استغلال الفرص ، وتوجيه المؤثرات بأنواعها السياسية والاجتماعية والاعلامية لصالحها في ظلّ تعايش سلمي متقرر.
وحين نقف مع تلك الحقيقة نجد أنّ الوضع يرفض السكوت والصمت دون إبداء الرأي والمساهمة ببنات الأفكار المنيرة للدرب .
وهنا نتساءل ما هي الحلول ؟؟!! هذا ما صغناه في التساؤل الرابع والأخير بقولنا : (هل هناك برامج دعوية كبرى أهملت ؟ ، وما هي ؟) ؟.
وقبل تقديم الحلول أشير إلى أمرين غاية في الأهمية :
أحدهما : إنّني أدرك مرارة هذه الدراسة ، وما فيها من تناول مشايخنا الكبار والاستدراك على أعمالهم الجبارة في مجال الدعوة وخدمة الإسلام ، وليعلم الإخوة أنّ تقديري لهؤلاء المشايخ ولجهودهم هو غاية الاحترام غير أنّني أعتقد اعتقادًا مبدئيًا أنّ مجتمعًا لا نقد للمواقف والأعمال فيه هو مجتمع محلل ضعيف .
الثاني : النقد لا يعني إنكار الإنجازات والجهود الشامخة القائمة الناطقة : نعم نعلم الجهد الذي قام به المجلس الوطني الإسلامي من حين قيامه وخاصة في يقظة المجتمع وتنمية روح التلاحم لقضايا الإسلام في نفوسهم ، كما نعرف صدق شيخ الأئمة وجهاده من عهد هوفيت وصبره وتحدّيه لصنوف المغريات ، بل وتربيته المسئولة لغالب طلبة المدارس الفرنسية مع ثباته على الدرب إلى اليوم ، كما ندرك جهود رئيس أهل السنة الشيخ الإمام الدكتور فاديغا موسى من خلال سعيه الدؤوب لبناء مئات المساجد وعشرات المدارس الإسلامية ، إلى جانب مجهوده الفريد في جامعة الفرقان الذي ساهم في بناء مخرج بديل لطلبتنا بعد مرحلة الثانوية ، وفوق هذا نشاطه المسئول في توحيد أهل السنة من جميع أنحاء الدولة : حيث كوّن فروع جمعية أهل السنة والجماعة خاصة بالشباب وأخرى بالنساء إلى جانب المراكز الرئيسة للجمعية في سائر مدن الدولة ..
وقد رأيت من نشاط مركز أهل السنة لمدينة (Ganoa) منها خاصة عجبًا ، يوم كانت لدي محاضرة هنالك ، فرأيت مجموعات النساء المتحجبات حجابًا كاملاً يقطعن المسافات الطويلة ماشيات إلى مقام المحاضرة ، ورأيت من عطش أهل السنة في تلك المدينة إلى العلم وأهله ، فجهود رئيس أهل السنة شمس لا يمكن إخفاؤه بالكف أبدًا ، وهو مفخرة للدعوة في ساحل العاج ، بل لقد كان الدكتور فديغا قبل تقليده زمام رئاسة أهل السنة من خير المرشحين لبناء جسور تفاهم كامل وبناء بين مختلف أطياف المسلمين في هذا البلد ، لما له من علاقات عميقة مع رؤساء المجلس الوطني الإسلامي ، وتنظيمات الحج ، فهذه المعلومات والفوائد لها مجالات أخرى للدراسة ولعل الله إذا بارك في الوقت سوف نتناولها تحت عنوان (الجمعيات الإسلامية في كوت ديفوار تاريخ وقيادات) وهو بحث في طور الفكرة عندنا ...
وقبل تقديم الحلول والتفصيل فيها لا بدّ أن يكون يقدم على دولنا من أبنائها الدعاة نظرتان شاملتان :
النظرة الشاملة الأولى : وهي في تحقيق تصوّر طبيعة دولنا حيث يتكون النسيج الاجتماعي الديمغرافي لساحل العاج مثلا من حيث الديانات والفرق المسلمة من خليط من الوثنيين والنصرانيين ، مع وجود قليل من اليهود وجالية كبيرة من الرافضة الشيعة : ثمّ أهل السنة والجماعة فالطوائف المسلمة الأخرى من التيجانية والقادرية خصوصًا ؛ أمّا من حيث التيارات الفكرية فلدينا حضور قوي من السلفيين الوسطين ومجموعة من السلفية الغالية أحيانًا إلى التكفير بالمعاصي ، والخوض في التصنيفات والتخريجات ، ويوجد بها -كذلك-مجموعة من المعجبين بالتيار الإخواني ، وإن لم يهضموا أصولهم هضمًا صحيحًا ، وقليل من الإخوان المسلمين المؤصلين ، وفئات من التبليغيين ، إلى جانب مجموعة من أهل البيعة جماعة (مدني حيدر ) الداعية المالي ، ووجود قليل من البهائية والقاديانية .
فهذه هي الدولة التي يقدم عليها الداعية إلى الخير وحامل شعلة الهداية ونور الرشاد ؛ وهذه النظرة ضرورية من الشمولية لا بدّ منها لفهم ماذا وكيف ولماذا نفعل ونقول .
ويقابل تلك النظرة ذات الشمولية النظرة القاصرة التي تقوم على اعتبار أهل المسجد أو الحي أو المدينة هم من على الداعية أن يتهم لأمرهم ، ومثلها النّظرة إلى أهل السّنة فقط أنّهم كلّ المسلمين ، حتّى إنّ بعض الدعاة ليمرّ بمسجد لغير أهل السنة يوميًا خلال عشرين سنة ولا يدخله يومًا ليقول لهم قال الله أو قال الرسول ، وهو مع ذلك يحسب نفسه في جهاد وكفاح.
فإذا صحت النظرة الشمولية الأولى تلك: ترتب عليها واجبها وهو أنّ حقيقة مهام الدّعوة : إنّما هي دعوة الوثني والنصراني إلى الإسلام ، والبدعي إلى السنة والتصدّي لأصحاب الشبهات من الرافضة والبهائية والقاديانية مع دعوتهم .
وهنا تقع المشكلة عمليًا من ناحيتين :
الأولى : الاهمال الدائم لدعوة غير المسلمين : وهذا الأمر متجذر في طبيعة الدعوة في بلدنا حتّى إنّ الكاتب المستشرق الفرنسي (Pole marty) أقرّ بأنّه لوا اهتمّ المسلمون بدعوة الوثنيين إلى الإسلام في ساحل العاج لما وجدت ثنائية العقيدة طريقًا إلى تلك الدولة...
إذًا فهناك اهمال واضح لدعوة غير المسلمين ، حيث تجد قرىً على مشارف مدن مسلمة لأكثر من أربعين سنة دون أن يتحرك دعاة الإسلام إلى تلك القرية لدعوة !!.
أمّا دعوة النّصارى فهي كذلك ضعيفة جدًا ، وخاصة مع البرامج الوطنية الداعمة للتعايش السلمي بين أتباع الديانات .
الثانية : انتقاء المدعوين من المسلمين ؛ وهذا الانتقاء يحصل من الجانبين الجانب السني والجانب غير السني ، حيث تجد الداعية من الطرفين ينتقي المساجد هل هو لأهل السنة أم لا ، بل يحصل في ذلك أمور عجيبة حيث قد لا يدخل بعض الدعاة السنة أبدًا في مساجد غير السنة لا لدعوة ولا لغيرها ، والعكس أحيانًا صحيح !.
وقد ترتب على هذا الانتقاء حرمان أتباع الطائفتين من الاستفادة من علم الدعاة من الجانبين ، فامتنع التكامل اللازم بين الدعاة بحكم اختلاف أساليبهم في الدّعوة ونوع ثقافتهم.
النظرة الشمولية الثانية : وهي النظر إلى المجتمع المسلم سنيه وغير سنيّه أنّهم متساوون في استحقاق العناية بالدعوة والرعاية ، وإلاّ فالمجتمع غير السني أحق بالعناية أكثر لمن له فقه بمسألة تأليف القلوب ، وكسب الوجدان ، وهذا المنهج النبوي الوسط هو الذي سار عليه دعاة السنة الكبار الأوائل في بلدنا. ويشمل ذلك :
1- النّظرة ذات الشمولية إلى المجتمع المسلم كلّه وأنّه شريحة وحدوية لازمة دعوتها لزومًا مسطريًا متساويًا ، وأنّ من مناهي هذا اللزوم أن يكرّس الداعية دعوته بين أهل فئة أو طائفة فقط .
2- الرعاية الشاملة للمجتمع المسلم : ليس المنهج الصحيح أن تقف جهود المؤسسات الدّعوية عند نقطة الخطاب الدّعوي ، دون المشاركة الجادّة في بناء ذلك المجتمع في حياته اليومية ، بل لا بدّ من شمولية الاهتمام والرعاية وذلك من خلال الكليات التالية :
الكلية الأولى : صناعة المجتمع الواعي على ضرورة التعليم لأبنائه : وتعتبر تلك الخطوة هي الضرورية الأولى لكلّ عملية دعوية إصلاحية شاملة ، وهذه الكلية العظيمة ليست كلمة عابرة ولا ترفًا علميًا ، ولا حتّى مجرّد نظرية يقولها زيد ثمّ السّلام بل هي المخرج الآمن في كثير من مشكلات الدّعوة المتكررة ، ويقوم تحقيقه على أصلين :
الأصل الأول : تأصيل الوعي المعرفي بضرورة تعليم الأبناء إلى جميع شرائح المسلمة من الدولة : فلا يجوز التركيز على طائفة دون غيرها بل يجب أن يشمل البرنامج التوعوي جميع المسلمين ، وأن تتعاون المؤسسات على ذلك ، فاليوم رئيسنا الحسن وتارا مفخرة لكلّ مسلم في ساحل العاج ، فهل هو سني ؟!!!!! وهل هو غير سني؟!!!! الجواب : لا يهم هذا ولا ذاك ...هكذا إذن ينبغي أن يكون اهتمامنا بالمجتمع كلّ المجتمع المسلم لأننا لا ندري (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا)...
أمّا كيفية تحقيق التأصيل المعرفي في المجتمع فلها قناتان :
الأولى : استخدام القنوات الاعلامية المتاحة للمسلمين في البلد وخاصة الإذاعات والبرامج التلفزيونية ، وأيضًا منابر الخطباء في الجوامع ، وحلق الدروس في المساجد ، بحيث يكون هناك توجيه دماغي مركز على عامّة المسلمين وخاصتهم خلال تلك القنوات إلى ضرورة إرسال الأبناء إلى المدارس مهما كلّف ذلك وأنّ من لم يرسل ابنه إلى المدرسة فقد ظلمه في أهمّ حقوقه ، مع تقديم بعض من لهم أبناء في المدارس من شرائح المجتمع المسلم نماذجًا للوالد الواعي لحاجة أسرته والمساهم في بناء المجتمع المسلم الواعي ، وأيضًا تناول الشبهات التي تقطع الطريق على بعض الآباء مثل ماذا سيصير ابني فيما بعدُ؟...
فيقال لهم إنّ التعليم نجاح في حدّ ذاته إذ ابنك سيتمتع بكامل عقله الإنساني وليس الحيواني فقط ... إلى غير ذلك .
القناة الثانية : متابعة : تلك الجهود ضمن خطة عملية رصينة من مختلف المناطق : ويكون هناك تقرير سنوي شامل عن نسبة أبناء المسلمين في المدارس سواء الفرنسية منها أو العربية ، ونسبة المتخلفين عن الالتحاق ، وأبرز أسباب التخلف في حقهم .
الأصل الثاني : الجدّ والصدق في الاهتمام بمخرجات المدارس الإسلامية العربية بالتساوي : فليس من المسئولية في شيء أن يظلّ رؤساء الجمعيات الإسلامية في واد وطلبة المدارس الإسلامية الذين يمثلون مستقبل الإسلام ورجاله في واد ، فلا يهتم هؤلاء إلاّ بالمدارس التي بنوها أو درسوا فيها ، بل وحتّى تلك التي أيضًا تجد أنّ اهتماماتهم بالتلميذ تتوقف بمجرد مجاوزته عتبة المراحل الثانوية ، ثمّ يكون مصير التلميذ إلى جهوده وجهود ذويه وإلى المجهول ؟؟ فبالله عليكم هل هذه هي الصورة المشرفة للإسلام نظام حياة صالح لكل زمان ومكان...
من الحرام أن نغري الطلبة بالالتحاق بالمؤسسات التعليمية على خلفية أنّنا قد نوفّر لهم المنح الدراسية ، مع علمنا قطعًا أنّنا لا نملك ذلك ، وحتى لو ملكناه صرفناه في أخص خواصنا ، وأشدّ منه حرامًا –إن صحّ التعبير- أن يتمّ ترشيح أبناء أصحاب المدارس والمؤسسات العلمية للقبول في الجامعات وإن كانوا غير مؤهلين بالامتياز، وينبذ المتفوقين لأنّه لا ناصر لهم إلاّ الله .
إذًا فماذا يجب أن تفعله المؤسسات التعليمية :
الجواب في خطوات :
الخطوة الأولى : توعية تلاميذ المراحل الأخيرة من الثانوي رسميًا من قبل المؤسسات : بما ينتظرهم بعد التّخرج من فرص هي في حكم الممكن وليست قطعية ، وأنّ الواجب عليهم مع ذلك هو الحرص على التفوق في نهاية المرحلة ، وتعريفهم بجامعات العالم العربي وطرق الالتحاق بها من شروط وضوابط ، مع تعريفهم بالمجهود الذي تقوم به المؤسسة لصالحهم في هذا الباب ، واستمرار التواصل مع الذين ينخرطون في الحياة العملية الاجتماعية منهم.
الخطوة الثانية : إنفاذ بعثات رسمية من المؤسسات الإسلامية إلى الجامعات في العالم العربي وذلك سعيًا لزيادة المنح لطلبة الدولة ، والإفادة من العلاقات الدبلوماسية : السفارات والقنصليات في دعم تلك الطلبات وإيصالها إلى أعلى الجهات الرسمية .
ثمّ إفادة المجتمع بنتيجة تلك المساعي ، مع الحرص على أن تكون قسمة ثمارها عادلة متساوية بين المدارس إلاّ عند تخلف شروط معتبرة ، والحرص كذلك ألاّ تتحوّل تلك الجهود إلى مصالح شخصية وإن قمصت بملامح المؤسسات .
الخطوة الثالثة : التوسع في بناء علاقات طلب المنح من الدول العربية ، والبحث المستمر عن منافذ جديدة ، وعدم التقوقع على دولة معينة ، فقد أثبت أبناء بلدنا الحبيب حرصهم على العلم ولو في الصين ، فلماذا لا نحاول توفير الفرص لهم في ماليزيا وتايواند وباكستان والجزائر وليبيا وتونس وقطر ودبي والكويت...لماذا دائمًا نتوجه إلى مصر أو إلى السعودية !!!.
الخطوة الرابعة : الاهتمام بطلاب المنح في الخارج : إنّ من عجيب أمر المؤسسات الدعوية عندنا أنّك لا تجد لدى شيء منها الاهتمام ومتابعة أبناء الدولة الدارسين في الخارج ، فلربّما انقطع بالطّالب الأسباب وهو في مصر أو في ليبيا فيظل في تقلبات بعد أن حقق حصيلة علمية مباركة فلا تزال تلك حاله حتى يتوفّى بعضهم هنالك دون أن تحرّك مؤسسة ساكنًا للحال والموقف ، هنا أذكر بشيء من الأسف الكبير حال عمي (هارون تورى) وهو أوّل تلميذ للشيخ موري موسى كمارا من ساحل العاج ، إذ كان أوّل تلميذ له من مالي هو الدكتور إسحاق كونى رحمة الله عليهم جميعًا ، فالحاصل أنّ عمنا هذا ذهب إلى ليبيا وجلس هنالك وانقطعت أخباره عن ذويه إلى أن توفي ، مع أنّ زملاءه في سلك التعليم كانوا على علم بحاله فما هذا المجتمع الذي نحن فيه !!!!.
ينبغي أن تصرف المؤسسات اهتمامًا خاصًا بالدارسين من أبنائنا في الخارج ، وأن لا يكون ذلك على أساس القبائل والأواصر فقط بل لمصلحة العمل الإسلامي بإعداد ملفات خاصة عنهم تشتمل على البيانات الأساسية مثل الاسم ، والميلاد ، وجهة الدراسة ، ونوع التخصص ، والمستوى العلمي ، ومعلومات عن القنوات المتاحة للاتصال بالدارس عند الحاجة وهواية الدارس المتعلقة بمجال الدّعوة من حب التعليم والتدريس إلى حب الخطابة وإلقاء الكلمات ، أو القراءة والكتابة ...
فتصوروا –يا رعاكم الله -ملفًا يضمّ تلك المعلومات عن دارسينا في السودان وفي المغرب وفي تونس وفي الجزائر ، وفي نيجر وفي مصر وفي السعودية وبقية الدول العربية فأيّ ثروة معلوماتية أعظم من تلك .
ومن فوائد ذلك الملف المهم أنّه جزء من تاريخ الإسلام في بلدنا ، وأيضًا قاعدة معلوماتية عن كفاح أبنائنا في سبيل العلم للعمل الإسلامي ، وهو يعين على التعرف على أنواع تخصصات أبناء بلدنا ، فضلاً عمّا يبني من جسور التواصل والتعرف على أحوالهم ثمّ التدخّل السريع لإنقاذ من يحتاج إلى إنقاذ منهم .
ينبغي أيضًا : استغلال إجازات الطلبة من قبل المؤسسات الإسلامية لتقديمهم إلى المجتمع المسلم من خلال القنوات الإعلامية الإذاعات والمنابر ، وقد طرحت هذه الفكرة في جلسة مع بعض رؤساء المؤسسات الإسلامية ، فكان جوابهم هكذا :
(أنتم إذا جئتم إلى الإجازة لا تزوروننا فقد أصبحتم في أعينكم علماء كبار!!!) بكلّ اختصار كان هناك خلل في تصوّر ما أردت قوله لهم !!.
الكلية الثانية : بناء العمل الإسلامي على المواكبة الدائمة والمستمرة للكتابة :
تقوم تلك الكلية على ثلاثة أصول مهمة :
الأصل الأوّل : بناء العمل الإسلامي دائمًا على دراسات علمية للزمان والمكان والكيف وطبيعة المجتمع في المنطقة .
يقوم العمل الإسلامي في مثل بلداننا على قوائم أربعة : وهي التربية الإسلامية المستمرة للمجتمع المسلم، والتوعية الشاملة المستمرة ، ودعوة الأغيار ، والبحث العلمي .
وليس المقصود بالبحث العلمي التخطيط للعمل كما يكثر تناول ذلك في مثل هذه الدراسات ، حتّى صار بعضهم يقلّد في ذلك تقليدًا دون وعي ولا استيعاب لحقيقة ما هنالك .
بل إنّما أعني إقامة دراسات علمية معمقة ورصينة عن ماضي العمل الإسلامي في مختلف المناطق بقصد التعرف على جوانب الضعف ، والفرص المتاحة ، والقنوات القائمة ، فتلك الدراسات هي ضرورة لكلّ عمل يزعم القائمون عليه أنّهم يريدون بلوغ التمام به أو السداد والمقاربة .
وممّا يمهّد لتلك الدراسات كتابات أبناء الدولة في المجال وهي ولله الحمد والمنّة كثيرة العربية منها والفرنسية، لكن -كما تقدّم- فإنّ المؤسسات الإسلامية الرسمية لا تبالي بتلك الدراسات ولا تلقي لها بالاً ، وهذا يعني الارتجال في أغلب الأعمال الدّعوية وإن سبق العمل ما يزعم بعضهم أنّه تخطيط .
وممّا ينبغي أن تشمله تلك الدراسات : متابعة التنفيذ بتقارير تستقصي جوانب الضعف وأسبابه وتقف على منارات النجاح وروافدها ، ولا أعني بالتقارير تلك التي عهدناها مع المؤسسات الخيرية حيث لا تشتمل على ذكر شيء من السلبيات وإنّما تبالغ في الإيجابيات ، وما خلا ذلك فهي شكاوى عن توغل النصرانية وجهود الرافضة...
لا شكّ أنّه يستوي المؤسسات والأفراد في وجوب بناء العمل الإسلامي عن دراسة علمية رصينة مسبقة فلا يجوز للخريج مثلاً أن يكون إمعة إذا تخرج لعبت به الرّياح يمينًا ويسارًا ، بل يقوم بدراسة المنطقة التي يستهدفها ، ويقف على الفرص فيها ، وعلى طبيعة النّاس والأمور التي يكبرونها ، ويتعرف على الدعاة المؤثرين ونوع تأثيرهم ، وأسباب نجاحهم ، ثمّ يدخل مع ذلك في العمل الإسلامي متدرجًا ، يسجّل الملحوظات عن مختلف المواقف ويركز على الشباب فيؤصلهم في أهمّ مهمات العلم في الفقه والتفسير والعقيدة ، ويقلل الاحتكاك بأطياف السياسة حتّى لا يستغل جهله ببعض التفاصيل البسيطة وهكذا ..
الأصل الثاني : تشجيع البحث العلمي الخاص بالقضايا الدولة: ينبغي تكريم أبناء الدولة الذين يقومون بدراسات علمية مؤصلة في قضايا الإسلام المحليّة ، حتّى الذين مضت على دراساتهم عقود يجب تكريمهم أمثال الدكتور يونس تورى –حفظه الله- في كتابه عن الاستعمار في كوت ديفوار ، والكاتب النحرير (الحاج كونى كوناندي) في كتابه الإسلام والمسلمون في ساحل العاج ، فضلاً عن المعاصرين : أمثال يوسف بمبا في التعليم الإسلامي في ساحل العاج ، ويوسف تورى في الأسس العلمية للتعليم الإسلامي في كوت ديفوار ، وبكر وتارا في التنصير في كوت ديفوار ، وكالو أحمد في أثر التغريب على التعليم في كوت ديفوار، وإبراهيم دمبيا في وضعية متعلّم اللغة العربية في كوت ديفوار دراسة وتحليل ، إلى غيرها من الرسائل العلمية الكثيرة .
يجب أن يكون هناك مؤتمر وطني سنوي بعنوان (المؤتمر الوطني للبحث العلمي) مثلاً لمدة ثلاثة أيام أو حسب ما يرون هنالك بحيث يتقدّم بعض الباحثين بتقديم بحوثهم ، وتكون هناك ورش عمل بين ممثلي المؤسسات الإسلامية عن المجالات التي تحتاج إلى مزيد من الدراسات سواء في مجالات الاجتماعية أو الدعوية ، ويكرم أصحاب الكتابات من أبناء الدولة سنويًا ، لا أدري كيف غاب مثل هذا النشاط المسئول المهم عن العمل الإسلامي في بلدنا ، حتّى صارت كتابات أبناء الدولة على كثرتها مدفونة لا يعلم بها إلاّ أهل الاهتمام الخاص .
الأصل الثالث : عمل بيبلوغرافية عن كتابات أبناء الدولة في أيّ مجال كان بحيث يمكن من خلال تلك الببلوغرافية الوقوف على الجهود المبذولة ، وهذا له أثر في تنمية روح الكفاح والابداع في مجال الكتاب لدى الدّعاة .
وينبغي كذلك السعي لطباعة الرسائل المتميّزة بتوجيه المجتمع إلى أهميتها في دفع عجلة الإسلام في الدّولة ، إنّي أتعجب وحُقَّ لي ذلك والله ، حيث زار ساحل العاج الباحث المغربي (حسن بوغابة) فدرَّس في إحدى مدارس مدينة بواكى وخلال تلك الفترة كتب كتابًا بعنوان تاريخ الإسلام ، وقد استطاع الدّعاة في مدينة بواكى أن يقنعوا رجل الأعمال (ibrahima doumbia) والذي أنفق على طباعة الكتاب !! .
لماذا اليوم لا نستطيع أن نطبع جهود أبنائنا المتميّزة في مجال البحث العلمي ، فهل مسارنا في العمل الإسلامي صحيح يا إخواني أم ماذا ؟!!!.
الكلية الثالثة : بناء جسور التعاون والتكامل بين المؤسسات الإسلامية : ليس صحيحًا أنّه لا يمكن أن يتحد أهل السنة وغيرهم على عمل إسلامي ، فهذا التخريج ليس صحيحًا ، وخاصة في مثل ساحل العاج حيث هناك قواسم مشتركة كثيرة في القضايا المصيرية ، فضلاً عن الاستغلال الحاصل على يد الساسة لخلافات المسلمين البينية ، لكن على ماذا يتقوم تلك المؤسسة التي تجمع بينهم ؟ .
نعم ! صحيح أنّ أهل البدع الكفرية الغليظة من الرافضة والبهائية والقاديانية ، لا يمكن الدخول معهم في أيّ اتحاد لأنهم كفار أصلاً .
أمّا من سواهم ممّن بدعتهم ليست مكفرة ، فيمكن تكوين اتحاد عام معهم لصالح المجتمع المسلم . ومن القصور في النّظر كما يعتقد بعض الدعاة أنّ هذا التعاون سيضرّ بهم بل سينفعهم ، لأنّ الذي يحصل في الواقع اليوم هو انفراد جهة رسمية واحدة بتمثيل الإسلام والمسلمين ، وهذا الأمر يتضمن خطورة بالغة في الواقع لأنّ حقيقة هذا التمثيل ليس تمثيلاً جماعيًا كما يبدوا في صورته الخارجية بل هو قرارات بعض المسيطرين على تلك المؤسسة .
ولعل من أهمّ ما ينبغي مراعاته في هذا الباب :
أوّلاً : أن تتفق المؤسسات على تعيين جهة علمية بحثية تمثّل هذا التعاون في مجال البحث العلمي القائم على استقصاء الأدلة والبراهين والدراسات الميدانية الجادة ، بحيث إذا طرحت قضية استقصت تلك الجهة جميع حيثياتها وأبعادها وقدمت دراسة بذلك وعلى ضوئها يتخذ الاتحاد المواقف .
ثانيًا : لابدّ في التمهيد لهذا العمل العظيم من أن تصرح المؤسسات إلى بعضها بما تنقم عليها ممّا هو خارج المعروف من التصرفات العملية في مجال الدّعوة ، مثل استقطاب إذاعة البيان لجميع أصناف المفتين من الجهلاء الذي يقولون على الله بلا علم ولا خجل ، فهذا العمل الجماعي ينبغي أن يحدّ من مثل تلك الأمور ، ومنها انشغال الجريدة الإسلامية (islam info) بموضوعات كيفية قراءة (دلائل الخيرات) ، دون طرح أيّ موضوعات جادة ومسئولة.
ثالثًا : حصر التعاون البيني في المجالات التي يتضرر المجتمع المسلم في عدم التعاون الإسلامي الرسمي فيها ، مثل إيصال صوت الأمة المسلمة حقيقة إلى القادة ، وليس صوت مجموعة صغيرة ، والدخول المسئول في السياسية بحيث مثل ما قام به الدعاة في دولة مالي .
رابعًا : مشاركة المجتمع خلال هذا الاتحاد في همومه اليومية مثل البطالة وغلاء الأسعار ، والقوافل الطبية ، فلا يجوز أن يكون نشاط المسلمين فقط في الخطاب الدعوي ، فهذه المجالات مهمة جدًا للدعوة .
خامسًا : متابعة هذا الاتحاد وحمايته من أن يتأثر بالمواقف الفردية التي كثيرًا ما افسدت العمل الجماعي عندنا ، وأيضًا حمايته من المواقف المعارضة التي ستوجد بكل التأكيد من الطرفين .
الكلية الرابعة : تربية المجتمع على التضامن والتكافل الاجتماعي : لقد كان الإسلام قديمًا في أفريقيا يعطي ولا يأخذ فالأفارقة لم يعرفوا الاتكال على الغير في ماضيهم التاريخي ، حتّى لما نفد زاد السلطان منسى موسى رحمه الله بمصر لم يعمد إلى المسألة وتكفف النّاس بل استدان ، وقام برد الديون فور عودته إلى بلدته .
لكن مع جيل المساعدات –على أهميتها ، وضرورتها أحيانًا- انعكست الموازين فصار الأفارقة إذا بلغ بهم السيل إلى سدة النفقات قالوا : نطلب المساعدة من العرب ، وهذا لا بأس به إذا لم يتجاوز حدّه ، ويزيد على قدره ، لكن الذي حصل أنّ عقلية المساعدات قضت بالكلية على روح التضامن الاجتماعي والاعتماد على الذات .
أمّا التضامن فقد أطاحت بها الأنانية ، ونفسي نفسي فكم من دعاة مصلحين بازلين للنفس والنفيس للمجتمع حتّى إذا ماتوا أعرض المجتمع عن ذويهم ، ونسيت جهودهم في خدمة المجتمع طول حياتهم بعد أن أفنوا شبابهم لإحيائه ، فضلاً عن غفلة المجتمع عن الأرامل واليتامى ، والمؤلفة قلوبهم من حديثي إسلام .
فهل مرجع ذلك إلى فقر المجتمع أم أنّه جهل من ناحية وإهمال وغفلة من نواح أخرى كثيرة ، فلا يجوز أن ينبري الدعاة والمصلحون في شكل من يملك حلول جميع المشكلات المالية من العرب فهذا عمليًا ليس صحيحًا ، وتربويًا يترتب عليه مفاسد جمة .
بل ينبغي تدريب المجتمع نفسه على تحدّي الصعاب ، والبذل والتضامن ، وتشجيع العمل الخيري الجماعي الوطني من زارعة ، وتربية الماشية ، وغير ذلك .
الكلية الخامسة : الطريق إلى الساسة والسياسيين : هناك نوعان من الأفيون المؤثّر تأثير المخدرات على الدعاة أفريقيا ، وحينها تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون :
النوع الأوّل : الوفود العربية حين تنزل في بلد إفريقي بين الدّعاة ، فما أكثر ما تجد العيون لمعانة والمباسم ضاحكة ، وهنالك لا ينفع النّقد ، فلا تخاطر بنقد شيء من الأمور على خلاف ما يقول الوافد خاصة في حضرته ، وإلاّ فإنّك ستجد من بني جلدتك من يتبرع بالرّد عليك غيرة على الدين وعلى السنة وأيضًا على الدولارات !!.
مرّة كنّا في غانا حضرنا أحد المجالس إذ كان الرافضة قد قاموا بدعوة أئمة غانا إلى هنالك ومن باب الفضول يومئذٍ حضرنا ..حتّى إذا جاء وقت صلاة العصر وكاد يخرج بالفعل لم يقم أحد من الأئمة الحضور للصلاة !!.
فقال : صاحبي أليس قد حان وقت الصلاة لماذا لا تصلون يا النّاس ، فتبرع أحد خريجي كلية القرآن الكريم من الجامعة الإسلامية بالمدينة بالرد على صاحبي قائلا : أسكت ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ومنهم من أخر الصلاة فنحن مثلهم !!!.
لكن شاء الله أن فضح أمره إذ كان الرافضة بالفعل قد صلوا لأنّهم يجمعون بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء دائمًا بلا سبب ، فقال ممثل الرافضة : نحن صلينا فأسقط في يد المدافع المقرئ .
ومن عجائب تلك المواقف أنّه مرةّ طرد أهل السنة جماعة التبليغ من الجامع الكبير لأهل السنة بمدينة بواكى ، وقالوا التبليغ بدعة فلا يسمح لهم بالوعظ والإرشاد في المسجد ...
شاء الله أن نزلت مجموعة من جماعة التبليغ السعودية في نفس الجامع بعد يومين فقط من حادثة طرد التبليغيين المحليين ، فماذا كان الموقف منهم يا تُرى؟!! الجواب : لقد استمتعت الجماعة السعودية فكامل حقوق الدعوة والضيافة بل حتى المرافقة من بعض أعيان الجامع السني المضلعين في طرد المحليين !!!.
النوع الثاني : الزعماء السياسيين : تسود على الأدب الأفريقي عامة عقلية اعتبار حسن التوافق مع الساسة ونيل احترامهم ، والفوز بزياراتهم ، وتفقداتهم كرامة ودليل استقامة وعنوان النّجاح حتّى إذا كان ذلك الزعيم ممّن يقتل النّاس في ليله ونهاره ظلمًا وعدوانًا .
وهذه العقلية متجذرة في نفوس الأفارقة مسلمهم وكافرهم سنيهم وغير سنيهم ، ولهذا فلا ينبغي أن ينخدع الدّعاة بتصريحات صناديد المؤسسات الخيرية في نقد رئيس الدولة فقد يكون وراء هذا التصريح العملاق الفضفاض مجرد محاولات ليأخذ نصيبه من الكعك ، الذي يبدو أنّه قد يقسم دونه ...
ويقابل ذلك شدّة دهاء الساسة في معرفة نفسيات النّاس ونوع الأمور التي تغلب عليهم ، فمن فهموا من خطاباته أنّه يسعى لنصيب من الكعك أعطوه فسكت ، ومن لا حظوا أنّ جلبته لمنصب أو جاه أرضوه وانتهى ، وتكون الضحية من ذلك كلّه المجتمع المسلم ...
فلا يجوز أن يتاجر زعماء الإسلام بالمؤسسات الإسلامية كما فعل صناديد المجلس الوطني حيث أشهروا تأييدهم ل(GAGBO) رغم ثوابت الإسلام وبراهين المنطق وحقائق ، في عدم مبالات صريح بصيحات الثكالات والأرامل من المسلمين .
كما لا يجوز أن يكون اهتمامات المؤسسات الإسلامية قاصرة على مسائل الصلاة والصيام وما في فلكها دون بحث السياسة ومعرفة سبل إفادة المسلمين منها ، وهذا لا يتعارض مع كون تلك المؤسسات لا سياسية بل من اللاسياسية فهم السياسة واستغلالها .
وأهمّ ذلك أن يكون للمسلمين برامج يستعدون بها أثناء الانتخابات ، ويراجعون مواقف المترشحين منها ، دون دعوة صريحة إلى تأييد فلان أو علان ، إنّما أهمية ذلك حتى يقدّر الساسة وعي هذا المجتمع المسلم ، لأنّ الذي يحصل الآن ليس تقديرًا للوعي بمعناه الصحيح بل تقديرًا للكثرة العددية ، لمن يلقي السمع وهو شهيد .
أكتفى بهذه الكليات الخمس تفاؤلاً بكليات الإسلام الخمس ، وأرجو أن تكون شاملة عامّة لحاجة العمل الإسلامي ، وضروراته سائلاً المولى القدير أن يجعل هذا الجهد خالصًا لوجهه الكريم ، وأن يرزق الأمّة العاجية من يعمل على تنفيذ ما هو صواب منها ، ومن الدراسات المماثلة لها ، حفظ الله إفريقيا بالإسلام .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire