الحلقة الثانية
لنبدأ بالتساؤل الأول ضمن التساؤلات الأربعة المتقدمة : ألا وهو ماذا حقق الإسلام والمسلمون في ظلّ حكم الرؤساء السابقين على (OUATTARA) .
لم يكن حال الإسلام وأهله قبل - (ouattara)- في كوت ديفوار كاتمة سوداء من كلّ وجه ، بل لقد حقق المسلمون في ظل الحكومات السابقة إنجازات كثيرة وكان العمل الإسلامي على الموعد ، وتقدّم نوعي في كثير من المجالات فكان مما حقق المسلمون قبل حكم (ouattara) :
أوّلاً : إنشاء العديد من الجمعيات الإسلامية الوطنية ؛ يرجع تاريخ نشأة بعضها إلى ما قبل الاستقلال كما هو الحال بالنسبة لجمعية (السنية المحمدية) أنشأها الشيخ الحاج ( TIYOKORO KAMAGATE) بمدينة بواكى بشمال البلاد عام 1947م ( وبعد الاستقلال انتشرت الجمعيات في ربوع البلاد إلى يومنا من أبرزها (جمعية أهل السنة والجماعة) تأسست عام 1976م و(المجلس الأعلى للأئمة) تأسس عام 1987م إلى جانب العديد من الجمعيات والاتحادات والمنظمات الإسلامية .
ثانيًا : الموافقة الرسمية من الحكومة على النظام المزدوج في التعليم ، مع الدعم المادي والمعنوي من الحكومة لهذا النّظام بشروط قُصد منها التحقق من جدية أصحاب المؤسسات التعليمية المعنية .
ثالثًا : الحصول على الترخيص لفتح المؤسسات الإعلامية الإسلامية : مثل (إذاعة البيان) بأبيدجان تأسست عام 2001م ، و(إذاعة الفرقان ) بمدينة بواكى تأسست عام 2003م ، ومثلها إذاعات (ouedjne) و(korogo) وغيرها ، فضلاً عن الصحف والجرائد الإسلامية .
رابعًا : تنظيم العمل الإسلامي الشبابي لدارسي الفرنسية والعربية والعامة ، وتوجيههم نحو الإسلام وآدابه ، ممّا كان له آثار طيبة ، حتّى إنّ دول الجوار : مالي ، وبوركينا فاسو ، وغينيا ، قد نقلوا بعض تلك التطبيقات المثالية الناجحة ، كما قالت الباحثة الفرنسية ماري ميران : في بحثها (LA LUMIERE DE L,ISLAM VIENT DE COTE D,IVOIRE) .
هذا : فضلاً عن لعب المسلمين دورهم في تمثيل الدولة لدى المؤسسات الإسلامية الدولية : كالمؤتمر الإسلامي وفروعه ، كمنظمة التعاون الإسلامي الدولي ، ومنظمة البنك الإسلامي وغيرها .
فخلاصة هذا التساؤل هو : أنّه رغم الاضطهادات والمواقف المتطرفة من بعض الحكومات ضد الإسلام في كوت ديفوار إلاّ أنّ السير العام لهذا الدين العظيم لم يتأثر بشيء من ذلك .
لكن لا ينبغي مغادرة منصة هذا التساؤل قبل إلقاء الضوء على أمرين لأهميتهما البالغة في هذه الدراسة :
الأوّل : طبيعة الإسلام في ساحل العاج : لعل بعضنا يستغرب حين نقول إنّ ظروف الإسلام في ساحل العاج تختلف عمّا عليه الأمر في كثير من دول الجوار مع أنّها الحقيقة الكاملة بإذن الله ، ويكفي لفهم ذلك أن أذكر هنا قضيتين :
الأولى : أنّ الإسلام في ساحل العاج يقوم على التحدّي أكبر مشروع للمسيحية العالمية لدول الإفريقية الغربية الفرنسية .
فالمسلمون في ساحل العاج يعيشون يوميًا أشدّ التحديات المصيرية من أمر دينهم ، وذلك لأنّ المستعمر الفرنسي منذ خطواته الأولى لهذه الدولة أرادها مسيحية ، ومن هنا تمّ تقديم الإسلام كدخيل غير مرغوب ، وهذا التحدّي هو سرّ صمود المسلمين وعملهم الدؤوب في ساحل العاج ونجاحاتهم النسبية المتكررة .
القضية الثانية : أنّه ليس لدولة ساحل العاج المعاصرة تاريخ عريق في الإسلام على غرار الحال في جيرانها مالي وغينيا والسنغال تحديدًا : فمن يقرأ تاريخ الإسلام الحديث لهذه الدولة لا بدّ أن يقرّ بأنّ التغييرات الكبرى في أمر الإسلام كان بجهود وافدة خارجية في الغالب ، فضلاً عن قطع صلة المناطق الغابية بالإسلام وأهله منذ عهود بعض الإمبراطوريات الكبرى .
الأمر الثاني : أثر علاقات المؤسسات الخيرية الخارجية في إضعاف الولاء للعمل الإسلامي الوطني لدى بعض الدعاة المدعومين من قبل تلك المؤسسات :
فقد أثر انتماء بعض الدارسين إلى مؤسسات داعمة خارجية في إضعاف مبادراتهم وتضحياتهم المحلية ، حيث صار هؤلاء كأنّهم يعملون في مجال الدعوة لإرضاء تلك المؤسسات وليس ربّ العباد ، فلا يحاولون تناول قضايا الإسلام إلا من خلال نظرة تلك المؤسسات .
فضعف بسبب ذلك روح التعاون فالتضامن لديهم مع تعالي أصوات الأنانية ممّا هو ترجمة أخرى لقصور النّظر إلى مستقبل الإسلام في دولة اعتبرها الغرب المسيحي بوابتها الرئيسة لتنصير الدول الإفريقية الفرنسية ، ولهذا الأمر مظاهر عدة أحدثها : ما حصل أن قام بعض الدّعاة السعوديين بإحياء هيئة تسمى(هيئة التعاون العالمي للتعليم) وفي محاولة من تلك الهيئة للعودة إلى حياة مرة أخرى بعد أن كانت -في الواقع- تحتضر ، حاول القائمون عليها الاتصال ببعض الجمعيات الإسلامية الإفريقية وكان الهدف الأساسي من ذلك تأمين أرضية مصداقية للهيئة من خلال التقارير التي يستحلب بها المحسنون ...ويستجلب بها الدعم .
المهم وصلت تلك الهيئة إلى ساحل العاج واتصلت بجمعية أهل السنة والجماعة : فماذا فعلوا يا تُرى ؟ الجواب : أنّه مع علم جمعية أهل السنة بوجود (منظمة المدارس الإسلامية ) والتي تعمل تحت إشراف المجلس الأعلى للأئمة ، ويشارك فيها أكثر من ألف مؤسسة تعليمية إسلامية في الدولة ، ولها مساع مشكورة في كسب اعتراف الحكومة بالمدارس الإسلامية ... إلاّ أننا تفاجأنا أنّ جمعية أهل السنة بادرت إلى تكوين جمعية أخرى (لمنظمة المدارس الإسلامية) !! وتحت إشرافها قامت باللقاء مع الهيئة العالمية تلك .!!
إنّ مثل هذا العمل أنانية صرفة من أهل السنة وتجاهل للآثار السلبية التي تترتب على هذه المواقف وإلاّ فإنّ المفردات كلّها قد أثبتت أنّه لم تكن ثمة أيّ حاجة إلى إنشاء تلك الجمعية وبهذا الشكل المستعجل ، وخاصة مع وجود البديل المثالي .
ومن الأمثلة أنّه ظل بعض الإخوة ينادون بتكوين هيئة تضمّ حملة الشهادات العليا من دارسينا بمختلف الدول العربية دون أن تجد تلك النداءات آذانًا صاغية مع اتفاق الجميع على ما لتلك التكتلات من أهمية في مثل دولتنا لتحقيق كثير من المآرب ، لكن يبدو والعلم عند الله أنّ الدارسين في السعودية -بالتحديد-يرون لأنفسهم فضلاً على إخوانهم ، ويزعمون أنّهم في غنى عن أيّ تكاتف معهم بسبب ما توفر له من وسائل التيسير أثناء الدراسة وبعدها ...
والمقصود أنّ أحوال المسلمين في ساحل العاج وخاصة الجمعيات السنية منها لا تدل دائمًا على وعي صحيح ومصداقية مخلصة لقضية الإسلام والمسلمين ، وذلك لأنّها تعمل غالبًا ملتفتًا إلاّ مواقف المؤسسات والجمعيات الخيرية من أعمالها ، والأمثلة المؤسفة كثيرة : أختمها بموقف جمعية أهل السنة والجماعة من مشروع الاتحاد العام للجمعيات الإسلامية في ساحل العاج ، حيث كان موقفها سلبيًا ، وذلك بسبب التأثر من الآراء الخارجية التي اعتمدت على القول بأنّه لا يمكن أن نتفق مع أهل البدع على اتحاد إسلامي ، علمًا بأنّ مثل هذا العمل قد نجح في دول أخرى مثل دولة مالي ، فضلا من أنّ له أصولاً شرعية ومبررات من السياسة الشرعية ، مثل حلف الفضول الذي تحالف فيه العرب على دفع الظلم ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لو دعيت إلى مثلها لأجبت .
وهذا لا يعني أنّ الجمعيات غير السنية هي الأخرى في عافية وسلامة تامّة بل ستأتي الإشارة إلى بعض جوانب تلك الأخرى بإذن الباري ولكل حادثة حديث .
وبهذا نكون قد أجبنا وبشيء من الإسهاب عن التساؤل الأول ، ولنا لقاء مع التساؤلات الأخرى بإذن الله .
وإلى ذلك الحين استودعكم الله في رعاية الله وحفظه ؟
بقلم الدكتور/ طه توري - حفظه الله
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire