samedi 12 mai 2012

الأدارسة وبناء الدولة المغربية

            تُعَدّ دولة الأدارسة أول دولة علوية هاشمية تقوم في التاريخ الإسلامي.و أولى السلالات الإسلامية المستقلة في المغرب،  وقد كانت  تجربة نجح فيها آل البيت في إقامة دولة لأنفسهم. ولذلك فإننا سنتناول في عرضنا المتواضع:  الأسرة الإدريسية: نسبهم- مؤسس الدولة- أسباب دخولهم إلى المغرب. فنقول مستعينا بالله ومتوكلا عليه.
            تعود نسبة الأدارسة إلى مؤسسها إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب والزهراء y، الذي هرب مع مولاه راشد إلى مصر ثم إلى المغرب الأقصى بعيدًا عن أيدي العباسيين؛ وذلك بعدما تمكّن العباسيون من القضاء على "ثورة" الحسين بن علي بن الحسن في معركة فخ. وهي معركة شهدتها ضواحي مكة سنة  169 هـ خاضها العباسيون ضد العلويين وأشياعهم.
            وكان سبب وصول إدريس إلى المغرب- كما أشرنا إليه قبل قليل- أن الحسين بن علي بن حسن كان قد قام بالمدينة أيام موسى الهادي، ثم خرج إلى مكة في ذي الحجة سنة 169 هـ  وخرج معه جماعة من إخوانه وبني عمه ومنهم إدريس ويحيى ابنا عبد الله بن حسن وبلغ ذلك الهادي، فولى حربه محمد بن سليمان بن على وكانت الوقعة بفخ، فقتل الحسين بن علي وأكثر أصحابه، وكان ممن نجا من قادة الثائرين في هذه المعركة "إدريس ( الأول) بن عبد الله بن الحسن" هذا الداخل إلى المغرب،  بحيث أفلت و اتجه إلى مصر ومعه خادمه راشد، وظل أمرهما مجهولاً حتى بلغا مصر مستخفيْن في موكب الحجيج، ولم يكن اختفاؤهما أمرًا سهلاً؛ فعيون الخلافة العباسية تتبعهما وتقتفي أثرهما، ولم تكن لتهدأ وتطمئن قبل أن تعثر على إدريس بن عبد الله حيًا أو ميتًا، لكنهما نجحا في التحرك والتخفي؛ لا لمهارتهما في ذلك، ولكن لحب الناس آل البيت، وتقديم يد العون والمساعدة لهما.
            ومن مصر خرج إدريس في صحبة مولاه "راشد" إلى بلاد المغرب،  بعد أن ساعدهما على الخروج من مصر، واضح مولى صالح بن المنصور،  والي(عامل) البريد[1] بها آنذاك، ساعدهما على النجاة إلى إفريقيا الشمالية وقد نفذ فيه حكم الإعدام بأمر الرشيد؛ ، فحملهما واضح على البريد المتجه إلى المغرب[2].
            وبعد أن وصل إدريس بن عبد الله إلى برقة تخفى في زي خشن، يظهر فيه بمظهر غلام يخدم سيده "راشد"، ثم سلكا طريقًا بعيدًا عن طريق إفريقية إمعانًا في التخفِّي، وخوفًا من أن يلتقي بهما أحد من عيون الدولة العباسية التي اشتدت في طلبهما، حتى وصلا إلى تلمسان سنة (170هـ= 786م)، وأقاما بها عدة أيام طلبًا للراحة، ثم استأنفا سيرهما نحو الغرب.
            لم يلبث مولانا إدريس وخادمه راشد أن حلا  بالمغرب ، دخلا بلاد السوس الأدنى، حيث أقاما بعض الوقت في "طنجة" التي كانت يومئذ أعظم مدن المغرب الأقصى، ثم واصلا سيرهما إلى مدينة "وليلي"، وهي بالقرب من مدينة مكناس المغربية، واستقرا بها بعد رحلة شاقة استغرقت حوالي عامين.
            وبعد أن استقر إدريس في وَلِيلَى المغربية، اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة "أوربة" البربرية. وقد خلع إسحاق بن عبد الحميد طاعة بني العباس حيث كان من ولاتهم، وتنازل لإدريس عن الحكم، وذلك بعد تعرُّفه على نسب إدريس وقرابته من النبي r وكرمه وأخلاقه وعلمه. وهكذا تمت مباعيته سنة 172 هـ قائدا وأميرا وإماما من طرف قبائل الأمازيغ في المنطقة،  بعد أن رحبوا به و استجابوا له. و بمساعدتهم تمكن إدريس من نشر الإسلام بين القبائل البربرية التي لا تزال تدين باليهودية والنصرانية، كما وسع حدود مملكته حتى بلغ تلمسان (789 م). فبايعه أميرها محمد بن حرز، وأسس بها مسجدا[3]  كان لا يزال قائما في عهد بن خلدون على ما ذكره في مقدمته.
            استقرت الأمور لإدريس بن عبد الله، ودانت له معظم قبائل البربر، وبدأ يطمح إلى مدِّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل، ونشر الإسلام بينهم، فدخل كثيرٌ من أهل هذه البلاد الإسلام. و في سنة 172، اجتمعت القبائل على إدريس بن عبد الله من كل جهة ومكان، فأعطوه وعظموه وقدموه على أنفسهم، وأقاموا معه مغتبطين بطاعته، ومتشرفين بخدمته طول حياته.
            ولما ولى الرشيد مقاليد الحكم، وتواردت أخباره (إدريس الأول) عليه، أرسل من حاشيته رجلا يدعى بسليمان بن جرير الشماخ مولى الهادي، فقدم له سما في صورة عطر بعد أن وجد غفلة من راشد الذي كان لا يفارق إدريس، فقد ذكر الشماخ بأنه متطبب من شيعتهم العلوية ودخل إلى إدريس فأنس به واطمئن إليه ثم إنه شكى له علة في أسنانه فأعطاه سنونا مسموما قاتلا وأمر أن يستن به عند طلوع الفجر فأخذه منه. وهرب الشماخ من تحت ليلته. فلما طلع الفجر استن إدريس، وأكثر منه في فمه فسقطت أسنانه ومات من وقته، وهكذا كانت وفاة إدريس الأول في 177 هـ.  ورغم أن راشدا طارد الشماخ إلى شرق المغرب على ما قيل، فإنه لم يستطع قتله،وإن كان قد تمكن من قطع يده على ما قيل. وقدم الشماخ على الرشيد، فولاه بريد مصر.  بعد أن بعث إلى واضح، فضرب عنقه.
            لمولاي إدريس في المغرب مكانة كبيرة بين المغاربة. فقد كان رجلا صالحا مالكا لشهواته، فاضلا في ذاته، مؤشرا للعدل مقبلا على أعمال البر ويعتبر ضريحه بالقرب من وليلي بزرهون  مزارا مشهورا.
            وبعد وفاة إدريس بن عبد الله مسمومًا، تولى الحكم مولاه راشد وصيًّا على ابنه إدريس الثاني الذي كان جنينًا في بطن أمه كنزة، وذالك بموافقة البربر، فلما قُتِلَ راشد[4]، كفل إدريسَ أبو خالد يزيد بن إلياس العبدي -أحد شيوخ البربر- حتى كَبُر إدريس، تمت مبايعته سنة 188 هـ، وهو في مطلع العقد الثاني من عمره.
            لم تلبث وفود العرب أن قدمت على إدريس الثاني من الأندلس وإفريقيا، والظاهر أنه لم يطمئن كثيرا إلى البربر خصوصا بعد مقتل راشد، فقد اتخذ من هؤلاء العرب بطانته، وعين منهم وزيرا هو عمير بن مصعب الأزدي القادم من الأندلس، كما استكتب عبد الله بن مالك الخزرجي واستقضى عامر القيسي الوارد من الأندلس أيضا، ووصلت الدولة إلى قمتها في عهده. وحكم بعده ثمانية من الأدارسة، كان أعظمهم قوة وأعلاهم قدرًا يحيى الرابع بن إدريس بن عمر، الذي امتد ملكه إلى جميع بلاد المغرب الأقصى.
            ترك إدريس الثاني 12 ولدا ذكرا، وقد عهد بالأمر إلى ابنه محمد بن إدريس الثاني (213-221هـ)، والذي قام بتقسيم المملكة بين إخوته الثمانية (أو أكثر)، وذلك بإشارة من جدته كنزة، فكانت لهذه الحركة تأثير سلبي على وحدة البلاد. أخذ الضعف يتسرب إليها؛ وذلك بسبب تشرذم الدولة وتقسيمها بين الأبناء من ناحية، وبسبب القتال بين أبناء إدريس والخوارج من ناحية أخرى. بدأ بعدها مرحلة الحروب الداخلية بين الإخوة. منذ 932 م، و وقع الأدارسة تحت سلطة الأمويين حكام الأندلس والذين قاموا لمرات عدة بشن حملات في المغرب لإبعاد الأدارسة عن السلطة.
            وأخيرًا جاءت الضربة القاضية على يد الدولة العبيدية (الفاطمية) والدولة الأموية الأندلسية، لتغلق الستار على دولة الأدارسة التي استمرت نحو قرنين من الزمن (788-974 م)، وذلك بعد معارك ومفاوضات شاقة تمكنت جيوش الأمويين من القبض على آخر الأدارسة (الحسن الحجام) والذي استطاع لبعض الوقت من أن يستولي على منطقة الريف وشمال المغرب، قبض عليه سنة 974 م، وثم اقتياده أسيرا إلى قرطبة. توفي هناك سنة 985 م. وبالجملة فدولة الأدارسة ساعدت في تعريب المغرب، وقامت بنشر الإسلام في غرب إفريقيا، وتثبيت البربر على الإسلام، وحاربت الخوارج وأفكارهم.
المراجع:
1-                 البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لأبي عبد الله محمد بن محمد ابن عذاري المراكشي.
2-                  تاريخ بن خلدون.
3-                 المغرب عبر التاريخ. د/ إبراهيم حركات.
4-                 المسلك والممالك للبكري.

إعداد راجي عفو الله /  محمود صالح صورو .                                                          
(00212) 06 77 59 89 40 /   05 34 05 26 31
(00225) 05 13 29 29 /(00225)  06 94 37 37
Heureux2020@yahoo.fr / voir_doux@hotmail.com





- قيل بأن واضح هذا كان متشيعًا لآل البيت، فلما علم بوجودهما في مصر قدم إليهما في الموضع الذي يستخفيان به. [1]
- وتذهب روايات تاريخية إلى أن الذي أعان إدريس على الفرار من مصر هو "علي بن سليمان الهاشمي" والي مصر، وأيًا ما كان الأمر فإن إدريس لقي دعمًا ومساعدة لتمكينه من الخروج من مصر، سواءً كان ذلك بعون من والي مصر أو من عامل البريد[2]
- تم اكتشاف المسجد الإدريسي سنة 1974 مـ.[3]
- إبرهيم بن الأغلب هو الذي حرض بعض البربر على قتل راشد.[4]

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

Twitter Delicious Facebook Digg Favorites More