أ ـ قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت:
1. لا بد من العناية بأركان الثقافة في خطة القراءة، وهذه الأركان مشتركة بين جميع الأمم والحضارات وإن اختلفت في الماهية، وهي:
• الدين : فلا مناص من إكثار القراءة في علوم الشريعة الغراء إلى درجة التضلع من بعضها فهي أشرف العلوم وأجلها وأسماها لارتباطها بالرب العظيم سبحانه .
• اللغة : فليس مثقفاً من لا يعرف لغته ؛ ويجمع حشفاً وسوء كيلة إذا أحسن لغة أجنبية وهو أجهل بل...غته من دابته التي يمتطيها . وقد يحوز السوء كله حين يترجم من لغة أجنبية إلى لغته التي لا يجيدها.
• التاريخ : فمن جهل ماضيه صعب عليه فهم حاضره وصنع مستقبله .
2. ويتبع ذلك بناء قاعدة معرفية أفقية واسعة بالقراءة في أساسات الفنون وتواريخ العلوم بحيث يتكون لديك إلمام عام بكثير من العلوم .
3. ثم يتخصص القارئ في مجال يرى نفسه مقبلة عليه أو الحاجة إليه عظيمة .
4. ومن الحكمة أن يعتني القارئ بالنظر في القضايا المستجدة التي تطرأ بين الحين والآخر ويتأكد هذا الأمر في شان العلماء والدعاة والكتاب .
وهناك قراءة لابد لنا منها كما يقول الدكتور عبدالله قادري الاهدل
فليسأل كل منا نفسه: ما نسبة قراءته لما يقوي إيمانه من قراءة القرآن وتدبره، ليعرف فيه صفات المؤمنين المفلحين، وصفات الكافرين والمنافقين الخاسرين، ليبحث عن نفسه بين هذه الأصناف الرئيسة ليعرف أين موقعه منها، وأي الصفات تغلب عليه، وهل يجاهد نفسه ليتصف بصفات المؤمنين، أو هو غافل عن ذلك، وفيه من صفات غير المؤمنين ما هو في أمس الحاجة إلى تغيير ما بنفسه حتى يغير الله ما به؟
وليسأل كل منا نفسه: هل يكثر من قراءة الأذكار المطلقة والمقيدة التي تملأ قلبه إيمانا بالله ورسوله، ومحبة لله ورسوله وعباده المؤمنين، وخوفا من الله وعقابه في الدنيا والآخرة؟
هل اهتم كل منا بقراءة حقوق ربه، وحقوق نفسه، وحقوق أهله من أبوين وأولاد وأزواج، وجيران وزائرين، ليعطي كل ذي حق حقه؟
هل اهتم كل منا بقراء ما نناجي به ربنا في ظلمة الثلث الأخير من الليل، من تهجد وذكر وابتهال وتضرع إلى الله، طالبين مغفرته وعفوه ونصره لعباده المؤمنين المستضعفين في الأرض؟
هل اهتممنا بقراءة دعامة النصر ومنطلق العزة بعد الإيمان: الجهاد في سبيل الله الذي أذلنا الله لأذل خلقه، بسبب غفلتنا عنه وعدم رفع رايته؟
هل اهتممنا بقراءة المصير بعد هذه الحياة: الموت الذي لا مفر لنا منه، وهو آت لا محالة في أي لحظة من لحظات أعمارنا؟ هل قرأنا عن ساعة الموت ونزع الروح والفرق بين قبض أرواح المؤمنين وأرواح الكافرين؟
هل قرأنا عن أحوال أهل القبور، وأسئلة منكر ونكير، ونعيم القبر وعذابه؟
هل قرأنا عن البعث والنشور والحشر والحساب والجزاء والصراط والجنة والنار، وعن الإعداد لكل ذلك؟
هل قرأنا صفات الجنة وأهلها، لنعمل الصالحات، رغبا فيما أعد الله فيها لعباده المؤمنين؟
هل قرأنا عن صفات النار وأهلها، لنترك السيئات، رهبا مما أعد الله فيها لأعدائه الكافرين، وعصاة المؤمنين؟
هل نتذكر ونحن نقرأ في حياتنا الدنيا اليوم الآخر الذي سنقرأ فيه كتابنا، عندما يقال ((اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا))؟
ألا نتذكر قراءة من يؤتى كتابه بيمينه، ومن يؤتاه بشماله: ((يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية. فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه. إني ظننت أني ملاق حسابيه.فهو في عيشة راضية. في جنة عالية. قطوفها دانية. كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتمفي الأيام الخالية. وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه...)).
إن الذي نقرأه اليوم ونعمل به، سنؤتاه غدا ونحاسب عليه.
فليسأل كل من نفسه: لماذا أقرأ وليجب بما يعرفه هو عما يقرأ. وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه.
ب ـ إحذر أربع أيها القاريء:
أولاً: قلة الصبر على القراءة والمطالعة:
وهذه آفة قديمة ازدادت في عصرنا هذا خصوصاً مع كـثرة الصوارف والمشغلات الأخرى؛ حيث أصبح كثير من القراء لا يقوى على مداومة القراءة، ويفتقد الأناة وطول النفس، ولا يملك الجَلَد على المطالعة والبحث والنظر في بـطـون الكتب وكنوز العلم والمعرفة، وحينما يبدأ القارئ بالاطلاع على الكتاب سرعان ما يضعه جانباً ويشتغل بأمر آخر.
والعجيب "إنَّ الساحة الفكرية اليوم تعاني من خلل ظاهر في بـنـاء ملكة القراءة، وها أنت ترى كثيراً ممن يدخلون في (زمرة المثقفين!) من أصحاب الـشـهـادات الجامعية، بل حتى أصحاب الشهادات العليا، ومع ذلك تفاجأ بأن كثيراً منهم ربما يعجز عن إتمام قراءة كتاب واحد خارج تخصصه..! "
والعلاج هوترويض النفس وتربيتها وقسرها على القراءة من أنجح السبل لـبـنـاء تلك الخَلَّة الكريمة، خاصة عند نعومة الأظفار وبداية الطلب. وقد يعجز المرء في الـبـدايــة، أو تصيبه السـآمـة والملل، ولكنه بطول النفس وسعة الصدر والعزيمة الجادة سوف يكتسب بإذن الله ـ تعالى ـ هـذه المـلـكـة حتى تصبح ملازمة له لا يقوى على فراقها، ولهذا قال رسول الله صلى الله عـلـيـه وسـلـم: "إنما العلم بالتعلم" .، وتكوين هذه العادة وغرسها في النفس من أولى ما يجب الاعـتـنــاء بــه لدى القراء والمربين.
ها هو ذا مثلاً الحسن الؤلؤي يقول: "لقد غبرت لي أربعون عاماً ما قـمــتُ ولا نمت إلا والكتاب في صدري" .
وحدَّث ابن القيم فقال: "أعرف من أصابه مرض من صــداع وحـــمـى، وكان الكتاب عند رأسه، فإذا وجد إفاقة قرأ فيه، فإذا غلب عليه وضعه"
ثانياً: ضعف التركيز:
كثير من القراء يقرأ بعينيه فقط، ولا يـقـرأ بـفـكـره، ولا يستجمع قدراته العقلية في التفهم والـبـحـث. وربـمـا جـــال الـقـارئ بعقله يميناً ويساراً، وطافت بخاطره ألوان من الهموم والمشاغل، ثم يفاجَأ بأنه قضى وقتاً طويلاً لم يخرج فيه بمادة علمية تستحق الذكر.
وبعض القراء يبدأ بهمة ونشاط وتـركــيـز، ولـكـنـه بـعـد أن يقرأ قليلاً من الصفحات يبدأ بالتململ التدريجي، حتى ينفلت الزمام من يديه، ويـستـيـقـظ فجأة بعد أن سبح في عالم رحب من الخواطر الشخصية البعيدة عن مادة الكتاب، قال طـــه حسين: "كثيراً ما نقرأ لـنـقـطـــع الوقت لا لنغذو العقل والذوق والقلب. وكثيراً ما نقرأ لندعو النوم لا لنذوده عن أنفسنا" .
وآفة كثير من القراء أنَّ أحدهم قد يعمد إلى قراءة الكتاب العلمي العميق قراءة تصفحية كما يـقــرأ الـجــريـدة، ويكون همه الانتهاء من الكتاب، ولك أن تتخيل ماذا يمكن أن تكون حصيلة القارئ حينما تكون هذه هي طريقته دائماً في القراءة..!!
وقد ذكر العلماء والتربويون أسباباً كثيرة تعين القارئ على التركيز، مثل: اختيار الأوقات المناسبة، والأماكن الملائمة الخالية من الصوارف، وأن يكون خالي الذهن، ولديه الاستعداد العقلي والنفـسـي الذي يعينه على استجماع قدراته الفكرية.. ونحو ذلك مما يطول وصفه، ولكن يجمعها وصف واحـــد وهو: أن يكون جاداً حريصاً ذا همة صادقة؛ فمن امتلك هذا الوصف حرص على تذليل كافة العقبات التي قد تعرض له.
ثالثاً: ضعف المنهجية في القراءة:
قد يحار القارئ ـ المـبـتدئ خاصة ـ من أين يبدأ؟! وكيف يبدأ؟! ولذا كان الواجب على القارئ أن يرســـم لنفسه منهجية واضحة للقراءة يدرك من خلالها إلى أين يسير.. وما أهدافه؟!
فترتيب الأولويات مــن أهم المسائل التي تعين المرء على النجاح بشكل عام، ويتأكد ذلك في أولويات القراءة، وقديماً قال أبو عبيدة: "من شغل نفسه بغير المهم أضرَّ بالمهم" وكم أحزن على ذلك الـشـــاب الذي لم يستقم عوده، ولم يشتد ساعده، ثم أراه يلقي بنفسه في بحر متلاطم الأمواج كـيـف يـبـحــر فيه؟! وقد رأينا شباباً لم يقرؤوا بعدُ (كتاب الأربعين النووية)، ثم تراهم يعزمون على قــراءة (فتح الباري!) وأشباهه من كتب العلم. وجميل أن توجد هذه الهمة، لكن أحسب أن مــــآل هؤلاء في النهاية إذا لم يتداركهم الله بفضله: الشعور بالإحباط والعجز، ثم الملل والـسـآمـة؛ لأنهم لم ينموا نمواً طبعياً يتدرجون فيه في درجات العلم بتدرج فهومهم وبصائرهم.
ونظير ذلك من يبدأ بقراءة ما يسمى بـ (الكتب الفكرية) المتقدمة، دون أن تكون له حصيلة شرعية يميز فيها بين الغث والسمين، ودون أن يـبـدأ بـالـكـتب الفكرية الميسرة التي تكمل بناءه العلمي والثقافي.
والواجب أن يحرص القارئ في بداية الطلب على بناء القاعــدة الـعـلــمـية التي يبني فيها مداركه العقلية وملكاته العلمية بناءاً راسخاً متيناً.
وبناء القاعدة العلمية يتطلب من القارئ جهداً كبيراً؛ فهو يأخذ من كل فرع من فروع العلم الرئيسة كتاباً أصيلاً يدرسه دراسة تفصيلية، ولا ينتقل منه إلى كتاب آخر إلا بعد أن يتقن أبـوابه، ويعرف قواعده وفنونه، ثم إذا قرأ كتاباً آخر في الفرع نفسه كان كالبناء على تلك القاعدة والأساس.
والـقــدرة على اختيار الكتاب المناسب لها دور بارز في اختصار المسافات في طريق القارئ الطويل. وكم من قارئ قد ضلَّ الطريق وحرم الوصول؛ لأنه أراد أن يصعد السطح بلا سلم، أو أراد أن يـبـنـي داره على أرض هـشــة غير مستقرة، ومن المفيد هنا التأكيد على أهمية استشارة أهل الاختصاص وأصحاب الخـبـرة لـمـعـاونــة القارئ المبتدئ في ترشيح الكتب المناسبة له، وقديماً سئل (فولتير) عمن سيقود الجنس البـشــري؟ فأجاب: (الذين يعرفون كيف يقرؤون).
ومـــن اللـطـائف العجيبة أن ابن الجوزي كان يتكلم عن ضرورة ترتيب الأولويات لطالب العلم، ثم يـقــول: (قد علم قصر العمر وكثرة العلم، فيبتدئ بالقرآن وحفظه، وينظر في تفسيره نظراً متوسـطــاً لا يخفى عليه بذلك منه شيء. وإن صحَّ له قراءة القراءات السبعة، وأشياء من النحو وكتب اللغة، وابتدأ بأصول الحديث من حيث النقل كالصحاح والمسانيد والسنن، ومن حيث علم الحديث كمعرفة الضعفاء والأسماء، فلينظر في أصول ذلك) وساق ابن الجوزي علوماً يبدأ بها طالب العلم في عصره، قد يعجز عنها بعض المنتسبين إلى العلماء في عصرنا..!
وبهذا يتبين أن القراءة الجادة هي قراءة الـتــفـهـم والبصيرة والإدراك، ونعمة الفهـم مـن أجـلِّ النعـم التي ينـعم الله ـ تعالى ـ بها على العبد، و "رُبَّ شخص يفهم من النص حكماً أو حكمين، ويفهم منه الآخر مائة أو مئتين"
وكـم جـــرَّ سوء الفهم على صاحبه من الخلل والاضطراب؛ وما أحسن قول الإمام ابن القيم: "ما أكـثـر مـــا ينقل الناس المذاهب الباطلة عن العلماء بالأفهام القاصرة" .
رابعاً عدم العمل بما يقرأ ويتعلم:
ومن الأشياء التي لابد أن يحذرها القاريء وطالب العلم عدم العلم بما يقرأ فالقارئ المتميز هو من يعمل بعلمه وقراءته ، ليورثه الله علم مالم يعلم ، ويفتح على قلبه وعقله ....
ثم تذكر أن ما قرأته وعلمته سيكون حجة ...إما لك أو عليك ... فلا تستكثرن من حجج الله عليك
ثم أن عدم العمل بالعلم سبب رئيس من أسباب محق بركة العلم ،ولهذا كان السلف أحرص الناس على العمل بما يعلمون ويقرأون :
فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول :كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن )
أخي القاريء إن هذا العم الذي أعطانا الله ، يحتاج الى زكاة ، فزكاة العلم العمل به .
فـ ...........اعمـــل بعلمك تغنم أيها الرجل
لا ينفع العلــم إن لم يحسن العــمـل
والعلــم زينٌ وتقــوى الله زينته
والمتقـون لـهم في علمـهـم شغـل
نقلت هذه المعلومات من مجهودات الشيخ الفاضل الحبيب: أمير بن محمد المدري..إمام وخطيب مسجد الإيمان – اليمن - عمران.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire